تعالىٰ اصطفاهم وفضلهم علىٰ العالمين.
ولقد أخبرها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّها أكثر نساء المسلمين معاناة ورزية حيث روي عن عائشة : أنه قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة : « إنّ جبرئيل أخبرني أنّه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك ، فلا تكوني أدنىٰ امرأة منهن صبراً » (١).
وعانت الزهراء عليهاالسلام منذ صباها حيث فقدت أُمّها ، وما تلا ذلك من الأحداث القاسية والمصاعب الجمّة التي أشرنا إلىٰ بعضها في الفصل الأول ، وكان من أفدح المصائب التي منيت بها حبيبة المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم هي فقدها لأبيها ، فهي البنت الوحيدة التي بقيت بعده ، وتحملت مرارة فراقه مع صنوف الاضطهاد والبلوىٰ ، فواجهت ذلك بعزم لا يلين صابرة محتسبة ، ثم كانت أول أهله لحوقاً به.
أمّا علىٰ صعيد حياتها الشخصية ، فقد عانت فاطمة عليهاالسلام صنوف المشاق والأذىٰ وقلّة ذات اليد وجشوبة العيش ، علىٰ الرغم من أنّها كانت علىٰ مرأىٰ ومسمع من أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان بامكانه أن يجعل لها بيتاً مرموقاً وحياة مرفّهة وعيشاً رغيداً ، لكنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أبىٰ إلّا أن يكون القائد الرسالي الذي يفضّل سدّ حاجات أهل الصفّة وفقراء المسلمين علىٰ أن يعطي ابنته الوحيدة جارية تخدمها أو شيئاً من الحطام الزائل ، وذلك لكي تكون مثالاً كاملاً لشخصه العظيم في الزهد عن الدنيا وتحمل المشاق ورفض الملاذ ، وتكون المرأة النموذج في الإسلام ، تعاني ما يعانين من ألم التنور ومشقة الطحن بالرحىٰ وقمّ البيت وتربية الأولاد وغيرها ، فضلاً عن قيامها بمسؤولياتها العبادية وأدائها لدورها الرسالي في داخل البيت وخارجه باعتبارها سيدة نساء
_______________________
١) فتح الباري / ابن حجر ٨ : ١١١.