هذه خاتمة ثلاثين عاماً من الجهاد مع هذا الإنسان العظيم المسجَّىٰ اليوم بين يدي عليِّ بن أبي طالب، فكانت النهاية أن وارىٰ جسده التراب وما أصعبها من نهاية!!
أمَّا البداية فقد احتضن محمَّد بن عبدالله عليَّاً في حجره وهو وليد، وها هو عليٌّ يحتضن محمَّداً علىٰ صدره في آخر رمق من حياته! آه فطبت حيَّا وميِّتاً..
ولنقرأ ما قاله عليُّ بن أبي طالب عليهالسلام وهو يصفُ هذه الخاتمة المؤلمة : « ولقد قُبِض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، وإنَّ رأسه لعلىٰ صدري، ولقد سالت نفسه في كفِّي، فأمررتُها علىٰ وجهي، ولقد وُلِّيتُ غسله صلىاللهعليهوآلهوسلم والملائكة أعواني، فضجَّت الدار والأفنية : ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقتْ سمعي هينمةٌ منهم، يصلُّون عليه، حتَّىٰ واريناه ضريحه » (١).
وبعد هذه النهاية المفجعة تتساقطُ قطرات الدمع من عليٍّ عليهالسلام حزناً منه علىٰ فراق أخيه محمَّد بن عبدالله، الرسول، الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم، فيضجُّ صدره بالآلام والمحن، ويقف علىٰ شفير قبر أخيه مطأطأ رأسه، والدمع يجري كحبَّات لؤلؤ تناثرت علىٰ خدَّيه، وهو يقول : « بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنبياء وأخبار السماء، خصَّصت حتى صرت مسلِّياً عمّن سواك، وعمَّمت حتى صار الناس فيك سواء. ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع؛ لانفدنا عليك ماء الشؤون » (٢).
_______________________
١) نهج البلاغة، الخطبة : ١٩٧.
٢) نهج البلاغة، الخطبة : ٢٣٥.