فقلت في نفسي : والله لا يسبقني بها. فقلت له : يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته! فانتزع يده من يدي، ومضىٰ يهمهم ساعةً، ثُمَّ وقف فلحقته، فقال : يا ابن عبَّاس، ما أظنُّهم منعهم عنه إلَّا أن استصغره قومه!
فقلت في نفسي : هذه شرٌّ من الأولىٰ، فقلت : والله، ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك (١).
وفي مرَّةٍ أُخرىٰ يقول لابن عبَّاس : أتدري ما منع الناس منكم؟
قال ابن عبَّاس : لا.
قال عمر : لكنِّي أدري.
قال ابن عبَّاس : وما هو، يا أمير المؤمنين؟
قال : كرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوَّة والخلافة فتجخفوا جخفاً (٢)، فنظرت قريش لنفسها فاختارت فأصابت!
قال ابن عبَّاس : أيُميط عنِّي أمير المؤمنين غضبه، فيسمع؟
قال : قل ما تشاء.
قال : أمَّا قولك : إنَّ قريشاً كرهت، فإنَّ الله تعالىٰ قال لقوم : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) وأمَّا قولك : إنَّا كنَّا نجخف، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكنَّا قوم أخلاقنا مشتقَّة من أخلاق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي قال فيه الله تعالىٰ : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وقال له : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).
_______________________
١) شرح نهج البلاغة ٦ : ٤٥، ١٢ : ٤٦، مسند أحمد ١ : ٣، ٣٣١، و٣ : ٢١٢، ٢٨٣، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧١٩، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٧٦، الإصابة ٤ : ٢٧٠.
٢) جخف : تكبّر.