ولمَّا انتهت مسألة التحكيم، قال نفرٌ من أصحاب الإمام : كيف تُحكِّمون الرجال في دين الله؟! لا حكم إلَّا لله، وكانوا يعترضون الإمام في خطبته بشعارهم «لا حكم إلَّا لله» لذلك سُمُّوا بالمحكِّمة. فكانوا ما يقارب اثني عشر ألفاً.. فنزلوا في ناحية يُقال لها : «حروراء» لأجلها سُمُّوا بالحرورية..
فحاججهم الإمام عليهالسلام بقوله الأوَّل قبل التحكيم، ثُمَّ قال لهم : « قد اشترطتُ علىٰ الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن، ويُميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف، وإن أبيا فنحن عن حكمهما براء ».
قالوا : أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟
قال : « إنَّا لسنا حكَّمنا الرجال، إنَّما حكَّمنا القرآن، وهذا القرآن إنَّما هو خطٌّ مسطور بين دفَّتين لا ينطق، إنَّما يتكلَّم به الرجال » (١) ثمَّ رجعوا مع الإمام عليهالسلام.
فلمَّا التقىٰ الحكمان : أبو موسىٰ الأشعري وعمرو بن العاص، وخُدِع أبو موسىٰ؛ إذ مكر به عمرو، قال له : أنت صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأسنُّ منِّي فتكلَّم، وأراد عمرو بذلك كلِّه أن يقدِّمه في خلع عليٍّ، قال له : نخلع عليَّاً ومعاوية معاً، ونجعل الأمر شورىٰ، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبُّوا.
فتقدَّم أبو موسىٰ فأعلن علىٰ الملأ الحاضرين أنَّه قد خلع عليَّاً من الخلافة ثُمَّ تنحَّىٰ. وأقبل عمرو فقام، وقال : إنَّ هذا قد قال ما سمعتموه
_______________________
١) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٣.