الفئتان في النهروان، فلم يبدأهم الإمام عليهالسلام بحرب، حتىٰ دعاهم إلىٰ الحجَّة والبرهان، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم، لكنَّهم أصرُّوا علىٰ العمىٰ والطغيان! ثُمَّ تقدَّم الإمام عليهالسلام، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه، حتىٰ لم يبقَ لديهم حجَّة، وحتىٰ رجع أكثرهم وتاب، وممَّن رجع يومذاك إلىٰ رشده : عبدالله بن الكوَّا أمير الصلاة فيهم (١). وأبىٰ بعضهم إلَّا القتال!!
وتعبأ الفريقان، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر، فقال عليهالسلام : « والله ما عبروا، ولا يقطعونه، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر »، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو عليهالسلام يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه « والله لا يفلتُ منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة »! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ عليهالسلام، فأدركوهم دون النهر، فكبَّروا، فقال الإمام عليهالسلام : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت » (٢).
وكان عليٌّ عليهالسلام قد قال لأصحابه : كُفُّوا عنهم حتىٰ يبدأوكم، فتنادوا : الرواح إلىٰ الجنَّة! وحملوا علىٰ الناس (٣). واستعرت الحرب، واستبسل أصحاب الإمام عليهالسلام استبسالاً ليس له نظير، فلم ينجُ من الخوارج إلَّا ثمانية فرُّوا هنا وهناك، ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليهالسلام غير تسعة، وقيل : سبعة (٤).
_______________________
١) أنظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٣٤٣، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٩١ ـ ١٩٣، البداية والنهاية ٧ : ٣١٩ ـ ٣٢٠.
٢) نهج البلاغة، الخطبة : ٥٩، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٣.
٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٣.
٤) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٣ ـ ٢٢٦، البداية والنهاية ٧ : ٣٢٠.