أبو طالب ، ولم يعد بمكَّة من تهابه قريش وترعىٰ له حرمة . . فخرج صلوات الله عليه إلىٰ الطائف ، وهذه أول رحلة قام بها من مكَّة للدعوة إلىٰ الإسلام ، فعمد إلىٰ ثقيف يطلب منها النصر ، لكنَّها رفضت أن تسمع له ، ولم تكتفِ بذلك ، بل أرسلت صبيانها يرشقوه بالحجارة ، حتىٰ أُدميت قدماه الشريفتان ، كما أُصيب علي وزيد بن حارثة ، حيث كانا معه في تلك الرحلة ، وعليٌّ يتلقَّىٰ الأحجار بيديه وصدره حتَّىٰ أُثخن بالجراح ، فكان رسول الله يقول : « ما كنت أرفع قدماً ولا أضعها إلَّا علىٰ حجر » (١) !
وبذلك قرَّروا الرجوع إلىٰ مكَّة ؛ فكلابها أهون من وحوش البراري ! رجع يائساً من ثقيف وأحلافها ، واستطاع الدخول إلىٰ مكَّة بإجارة المطعم بن عدي له .
وحينما خافت قريش أن يقوىٰ ساعده ـ ويصبح له أنصاراً جدداً ، وحذروا من خروجه سيّما بعد أن أذن لأصحابه بالهجرة إلىٰ يثرب ـ اجتمعت في دار الندوة ، وتشاوروا في أمره وأعدُّوا العدَّة للقضاء عليه قبل فوات الأوان ، فقالوا : ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات عمُّه !
وكان اجتماعهم هذا قبيل شهر ربيع الأول عام ٦٣٣ م ، عام الهجرة ، وبعد أن أعطىٰ كلُّ واحد منهم رأيه ، قال أبو جهل : أرىٰ أن نأخذ من كلِّ قبيلة فتىً نسيباً ونعطي كلَّ فتىً منهم سيفاً ، ثُمَّ يضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه ، كي لا يتحمَّل قتله فرد ولا قبيلة وحدها ، بل يتفرق دمه في
_______________________
١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٦ .