بالتجهُّز لغزو الروم، وأعلم الناس مقصدهم، لبعد الطريق وشدَّة الحرَّ وقوَّة العدو.. لذلك يسمىٰ بجيش العسرة، وهي آخر غزوات الرسول.
ومضىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسير في أصحابه، حتىٰ قدم تبوك في ثلاثين ألفاً من الناس، والخيل عشرة آلاف. واستعمل علىٰ المدينة علياً عليهالسلام وقال له : (تقيم أو أقيم) «إنَّه لابدَّ للمدينة منِّي أو منك» (١)، « إن المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك » (٢).
وهذه هي الغزوة الوحيدة من الغزوات التي لم يشترك فيها عليُّ بن أبي طالب عليهالسلام مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم... وكان بقاؤه عليهالسلام في المدينة أمر تفرضه مصلحة الإسلام، بعدما ظهر للنبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من أمر المنافقين، فإنَّ بقاءهم بالمدينة يشكِّل خطراً علىٰ الدعوة.
فأرجف المنافقون بعلي عليهالسلام وقالوا : ما خلَّفه إلَّا استثقالاً له ! فلمَّا سمع عليٌّ عليهالسلام ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، فأخبره ما قال المنافقون، فقال : « كذبوا، وإنَّما خلفتك لما ورائي، أما ترضىٰ أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسىٰ ؟ إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدي » (٣). فقال : « قد رضيت، قد رضيت » (٤). ثُمَّ رجع إلىٰ المدينة وسار رسول الله بجيشه.
وفي رواية الشيخ المفيد ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له : « ارجع يا أخي
_______________________
١) إعلام الورىٰ ١ : ٢٤٣.
٢) الارشاد ١ : ١٥٥.
٣) الكامل في التاريخ ٢ : ١٥٠، وانظر الاصابة في تمييز الصحابة ٢ : ٥٠٧ ترجمة الامام علي، وسير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين) : ٢٢٩، وأخرجه الترمذي ٢٩٩٩ و٣٧٢٤ وقال : صحيح غريب.
وانظر طرق الحديث عن الصحابة في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي ١ : ٣٠٦ ـ ٣٩٠.
٤) إعلام الورىٰ ١ : ٢٤٤.