والفرق بينه وبين سابقة أن عدم بينة المدعي على الأول شرط لا جعل حجية بينة الداخل شأنا ، وعلى هذا التقدير شرط الحجية فعلا ، فان كان الوجه هو الأول أو الثاني وجب في هذه الصورة ترجيح بينة الخارج أيضا ، وان كان الوجه هو الثالث كان الترجيح لبينة الداخل ، لان بينة الداخل حجة إذا لم يعارضها المدعي ، وقد ظهر أنه في المقام لا معارضة بينهما حقيقة.
والذي استظهرنا من الأدلة هو بطلان الوجه الأول ، أعني عدم كون بينة الداخل حجة مطلقا حتى مع عدم بينة للمدعي. وأما الوجهان الاخران فقد يقال بسكوت الأدلة التي استظهرنا منها ما قوينا ، أعني كون بينة المدعي علة تامة غير صالحة للمعارضة عن تعيين أحد هما ، لان عمدة تلك رواية منصور ولا ظهور لها في أن عدم قبول البينة من الذي في يده المال المدعى به لا من الوجهين المذكورين.
فعلى الفقيه إمعان النظر واختيار الراجح ، فان لم يترجح في نظره شيء منها فليرجع الى عموم أدلة حجية البينة ، ومقتضاه حجية بينة الداخل في الصورة المفروضة ، لما حققنا من كون العمل بها حينئذ جمعا عمليا للفقيه ، فلا يصار الى ترجيح بينة الخارج لكونه طرحا لبينة الداخل من غير سبب.
فان قلت : قد استظهرت من الأدلة كون بينة المدعي علة تامة لثبوت حقه على المنكر ، وهو عام يتناول صورة المعارضة وعدمها.
قلنا : تلك الأدلة بين الأدلة الفعلية التي لا عموم فيها ، مثل المأثور عن النبي والوصي عليهما الصلاة والسلام لمجرد إقامة المدعي البينة وعدم انتظار شيء آخر وبين القولية ، وأقواها دلالة رواية منصور المتقدمة بمواضع أربعة :
الأول قوله « حقها للمدعي » ، والثاني قوله « لا أقبل من الذي في يده بينة » ، والثالث قوله « لان الله تعالى أمر أن يطلب البينة من المدعي » ، والرابع قوله