قلنا : ميزان القضاء هو نكول المدعي عن يمين المنكر لا كل نكول ، ومن خرجت باسمه القرعة ليس منكرا شرعا وعرفا ، وانما قدم قوله بيمينه للحلف فلا يكون النكول عن هذه اليمين من نكول المدعي عن يمين المنكر.
فان قلت : القضاء بالتنصيف قضاء بلا ميزان ، لان التنصيف هو المقضي به لا ميزان القضاء ، والقضاء بلا ميزان باطل.
قلنا : أولا ـ ان القضاء بالتنصيف قضاء بموجب البينة في الجملة كما أوضحناه سابقا ، لأن إعطاء كل منهما نصف المدعى به عمل ببينته في الجملة ومنعه عن النصف الأخر عمل ببينة صاحبه كما تقدم.
فان قلت : كيف يكون التنصيف عملا بكل منهما في الجملة ، بل هو طرح لهما رأسا ، لأن كلا منهما يشهد ببطلانه وكونه على خلاف الواقع ، ولذا قد تقرر في الأصول ان الجمع بين الدليلين بالعمل بكل منهما في بعض مدلوله طرح لكل منهما ، وليس من جزئيات قاعدة أولوية الجمع من الطرح.
قلنا : هذا حق بعد تسليم مقدمتين : إحداهما اعتبار العلم الإجمالي في حق الناس ، والثانية كون اعتبار البينة في الحقوق من باب الطريقية لأمن باب السببية المحضة. وكلتاهما ممنوعتان ، بل لا يبعد أن يكون الأقوى خلافها ، لان مراعاة العلم الإجمالي في حقوق الناس الظاهر أنها غير واجبة بل غير جائزة جمعا بين الحقين.
ونظرا الى ما ثبت بالنص والإجماع من إلغاء العلم الإجمالي في موارد كثيرة وكذا القول بأن البينة في إثبات الحقوق من باب السببية المحضة مثل البيع للنقل والانتقال ، ليس بذلك البعيد. بل قد يستشم ذلك من بعض أخبار الباب الدال على القسمة في صورة تعارض البينتين بحسب عدد الشهور ، وكذا من ثبوت ربع الوصية بشهادة امرأة واحدة ونصفها بشهادة اثنتين وتمامها بشهادة الأربع ، كما هو واضح.