الهضم ويدركه نار الطبخ ، فقد رأينا من أسرف من أحد الغذاء وهو يحبّه ويشتهيه ، فجاوزته إرادته ، وحمل على نفسه منه فوق طاقته ، فأمرضه ذلك أثقله فمن تلك الحال صار المحبوب مستولى والمستطاب متروكا.
وللفاضل أبقراط فصل قال فيه : لا الشبع ولا الجوع ، ولا غيرهما من جميع الأشياء بمحمود ، إذا كان مجاوزا لمقدار الطبيعة. وقد بيّنا ما في إفراط الشبع من الضرر.
وأما الجوع فان المعدة إذا خلت من الغذاء وتحركت الشهوة ، فإن لم تبادر عند ذلك بأخذ الغذاء ، اجتذبت المعدة من فضول البدن ، ما إذا صار فيها أبطل الشهوة ، وأفسد الطعام ، إذا خالطه.
ولجالينوس في كتاب أبيذيميا قول قال فيه : تستدام الصحة بشيئين : بالامتناع من الشبع ، وترك التكاسل عن التعب ، وذلك أن من أخذ الغذاء بعد حركة طاقته ، وعلى حاجة منه اليه ، وافى الطعام الحرارة الغريزية بمنزلة النار إذا اشتعلت. ومن تناول الطعام من غير حركة ، أو أخذه على غير حاجة من البدن اليه من غير شهوة ، وافى الطعام الحرارة الغريزية خامدة بمنزلة النار الكامنة في الرماد.
ومن اتبع الطعام بحركة ، أعذر عن معدته غير منهضم ، وانبثّ في العروق غير مستحكم ، وأحدث عللا في المعدة والكبد وسائر الأعضاء. ولذلك قال جالينوس : إن إدمان الرياضة قبل الطعام ، من أبلغ الأشياء في حفظ الصحة ، كذلك الحركة بعد الطعام من أبلغ الأشياء في نقص الصحة. ورغم أن السكون ، سر عظيم في حفظ صحة البدن. كما أن الحركة المعتدلة خير عظيم وذلك أن الانسان لا يمرض إن هو عني بأن لا يعرض له سوء هضم البتّة.
وقال بعض الحكماء : أقلل طعاما ، تقلل سقاما. وينبغي أيضا لمن كانت معدته قائمة على الاستواء من جودة الهضم والاستمراء ألاّ يقصد الى أخذ غذاء حار مفرط. فيحدث احتراقا في المعدة ، والتهابا فيستجلب شرب الماء للحرّ الحادث فيها. وللتلّهب فيحمل فيه على المعدة ويؤول ذلك الى فساد كثير غير مصلح. ولا يقصد أيضا الى غذاء بارد مفرط بطيء الانهضام ،