« الفصول » : شرب الشراب يقي الجوع. وذكر جالينوس عند تفسيره هذا الفصل : ان أبقراط لم يعني بالجوع في هذا الموضع كل حال يعدم فيها البدن الغذاء. ولا عنى أيضا عدم الغذاء الذي تكون معه شهوة ، وانما عنى حال من يعرض له أن تكون شهوته شديدة ، دائمة لا تخبو وهي الشهوة التي يسميها قوم من الأطباء : الشهوة الكلبية.
وقال جالينوس : اني قد شفيت كثيرا ممن أصابه جوع دائم لا يفتر ، بأن سقيته خمرا كثيرا من بعض الخمور التي لها اسخان فوري. فإن الخمر لا يسقي هذا الجوع لأنه لا يسخّن. لكن ما كان من الخمور لونه اللون الأحمر الناصع ، واللون الأحمر القاني ، من غير قبض ، فهو من أبلغ الأشياء في شفاء من به الجوع الذي يسمى الكلبيّ. وذلك أنه لما كانت الشهوة الكلبيّة ، إنما يكون من برد مزاج المعدة. وأما من كيموس حامض ، قد يشربه جرمها ، وكان النبيذ الذي وصفناه يسقي الأمرين جميعا ، وجب أن يسقي الشهوة الكلبية. وأيضا فإنه يسرع الاستحالة الى الدم ، ويملأ الأوراد ، ويغذّي البدن ، ويقوّي العليل ، وينبغي أن يجعل ما يتناولوه من الأطعمة دسمة دهنية ، مثل الزبد وسمن البقر واللبن الحليب المطبوخ بالحديد الحمّى ، ويدمنوا أكل الحبة الخضراء ، والفستق ، واللحم السمين. وما أكلوه مما ليست هذه حاله ، فينبغي أن يكثر في صفته من الدهن والزيت ، ولا يكون في شيء منه عفوصة ولا قبض. ثم يؤمرون من بعد ذلك بشرب شيء من الأنبذة التي وصفنا ، فإن كانوا لم يعطشوا ، بعد فإن جوعهم في العاجل ، يسكر عند استعمال هذا التدبير. وان ( ... ) عليه زمانا طويلا أقلع. وينبغي أيضا أن يستعملوا الجوارشنات الحارة ، مثل جوارشن الجوزى وجوارشن جالينوس ، وجوارشن الفلافل ، وجوارشن النار مشك ، والأطريفل الذي ألّفناه ، والجوارشن الكامل الذي تقدم وصفه ، وما أشبه هذه الجوارشنات ، من الأدوية الحارة الطيّبة فإنها تغيّر حرارة الطباع ، حتى يقوي على هضم الطعام ويبقى الفضل الفاسد في المعدة.
وللفاضل أبقراط قول قال فيه : كل طعام دسم وحلو فهو مشبع سريع. من قبل أنه ينبسط ، وينتفخ ، فيصير من المقدار اليسير منه مقدارا كثيرا ،