وربما كانت هذه الطباع الراقية قد فسرت من قبل الكثيرين من الحساد والأعداء على أنها نوع من التكبر والغرور والترفع ، مما زاد في ضغينتهم وحقدهم ، فانبروا يروون أمثال هذه القصص.
وتناقلها المؤرخون واحدا اثر الآخر كنادرة أو ملحة يتنادرون بها ، دون تمحيص أو نقد أو تدقيق ، كما كانت عادتهم في ذلك الزمان ، بل حتى يومنا هذا ، إذ أننا لا نزال نراها تتردد في الكتب الخاصة بحياة ابن الجزار.
وتوجد بضعة أخبار تجعلنا نشك في هذا التاريخ :
١ ـ ان عمرو بن بريق تتلمذ عليه ثم خدم عبد الرحمن الثالث الأندلسي (كما سيأتي فيما بعد) والذي عاش من ٣٠٠ ـ ٣٥٠ ه(١٩).
ولنفرض جدلا أن عمرا خدم عبد الرحمن عشرة أو خمسة عشر عاما معنى هذا أنه تتلمذ على ابن الجزار حوالي عام ٣٣٠ أو ٣٣٥ وليس من المعقول أن يكون ابن الجزار قد أصبح علما من أعلام الطب الذين يقصدهم التلامذة من الأندلس إلا إذا بلغ سن النضج من عمره ولنقل على أقل تقدير أربعين أو خمسة وأربعين عاما من حياته ، معنى هذا أنه ولد حوالي عام ٢٩٠ ه أو ٢٨٥ ه وهو التاريخ الذي يحدده المؤرخ التونسي الاستاذ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه ، دون أن يذكر الأسباب والبراهين.
وينتج عن ذلك أن سنة وفاته هي ٣٦٩ ه.
٢ ـ ان التميمي ذكره في كتابه ، وكان معاصرا له (توفي عام ٣٧٠ ه)(٢٠).
٣ ـ تذكر المصادر أنه خدم أيام المعز (٢١)، وكانت مدة ولاية المعز (معد أبو تميم) من ٣٤١ ه الى ٣٦٥ ه.
٤ ـ اطلع ابن الجزار على كتاب الحروف للقزاز وقال عنه « ما علمت نحويا ألف شيئا من النحو على هذا التأليف. » ومؤلف وكتاب الحروف هو القزاز الذي ألفه للمعز ، وأكمله عام ٣٦١ ه.(٢٢)
٥ ـ ويقول د. محمد الحبيب بوهيله (٢٣)عن سبب التاريخ الذي أورده