ويبدأ كتابه « في المعدة وأمراضها ومداواتها » (٣٣)هكذا : « كتاب في المعدة ألفه للسيد الأمير ولي عهد المسلمين بن أمير المؤمنين عبده أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد المتطبب. قد علم خاصة الناس وكثير من عامتهم أن أكثر الناس فضلا وأعظمهم قدرا ، أظهرهم للخير فعلا ، وأسبغهم على الناس نعما ، وأن أسعد الناس طرا جدا وأوفرهم حظا من صرف رأيه وهمته ولطيف عنايته الى الاجتهاد .... ».
وكلمته هذه كأنما تعتذر عن الاهداء الى الأمير ، واصراره على أن القيمة الكبرى تعود الى من يعمل في الاجتهاد فكره وأنه يضع رتبة العلم فوق كل المراتب.
ويزيد عجبنا واعجابنا إذا ما علمنا أن السلاطين الفاطميين كانوا يحبطون أنفسهم بهالة قدسية حرصوا على تعظيمها من ذلك قول المعز في رسالة وجهها الى الحسن الأعصم القرمطي(٣٤) « أنا كلمات الله الأزليات ، وأسماؤه التامات ، وأنواره الشعشعانيات ، وأعلامه النيرات ، ومصابيحه البينات وبدائعه المنشئآت ، وآياته الباهرات ... » كما كان الخلفاء يلقبون بألماب كثيرة منها : امام ، وصاحب الزمان ، وسلطان ، والشريف القاضي ، وكانوا يقرنون اسم الله سبحانه وتعالى بأسمائهم فنجد : المعز لدين الله ، العزيز بالله ... ».
وكان يفحص مرضاه ، وقد أقام غلاما في سقيفة أقامها على باب داره ، وكان الغلام يدعى رشيقا ، وهو من الأسماء المستعملة بكثرة في العائلات التونسية في ذلك الزمان ، فكان بعد أن يفحص المريض يكتب له الوصفة فيدفعها المريض الى رشيق الذي أعد بين يديه جميع الدهانات والأشربة والأدوية فيعطيه الأدوية حسب الوصفة ويقبض الأتعاب. وذلك تنزها من قبل ابن الجزار أن يأخذ من أحد شيئا.
ولا بد أن من اتصف بهذه الصفات أن يعطف على الفقراء وأن يهتم بهم ويطببهم مجانا في أكثر الأحيان ، ودليلنا أنه كرس للفقراء كتابا خاصا أسماه « طب الفقراء » وقال عنه ياقوت(٣٥) « وكان له معروف كثير ، وأدوية يفرقها على الفقراء ».