صنوف في العلل ، فكلما أجبتهم لم يفقهوا قولي. فقلت لهم : انما أنتم بقر وليس معكم من الانسانية إلاّ الاسم. فبلغ الخبر أبي عبد الله فلما دخلت عليه قال لي : تقابل اخواننا المؤمنين من كتامة بما لا يجب وبالله الكريم ، لو لا أن عذرك بأنك جاهل بحقهم ، وبقدر ما صار اليهم من معرفة الحق وأهل الحق لأضربن عنقك ».
والذي أعتقده أن الحكاية هذه أيضا من اختلاق الاسرائيلي الذي ربما فكر في أهل كتامة ما قاله ، ولكنه لم يقله ، إذ لا يعقل أن يقوم بذلك وهو غريب مصري ، بين قوم من الأشداء البطاشين المتنفذين.
ولكن القصة هذه تصف مقدار الجهل والتفاهة اللتين كانتا سائدتين في بلاط امراء الفاطميين وحاشيتهم ، كما أن ذكر ابن الجزّار لهذه القصة بالذات يؤكد على أن نظرته الى أولئك الناس كانت مثيلة لنظرة أستاذه ، فلا عجب وهو رجل العلم والفضيلة أن ينزوي ويبتعد عن تلك المجتمعات.
وتروي حادثة تؤكد وجهة نظري هذه ذكرها ابن جلجل (٣٠)وعنه أخذها ابن أبي أصيبعة(٣١) « قال الذي حدثني : فكنت عنده ضحوة نهار إذ أقبل رسول النعمان القاضي بكتاب شكره فيه على ما تولى من علاج ابنه ، ومعه منديل بكسوة ، وثلاثمائة مثقال. فقرأ الكتاب وجاوبه شاكرا ولم يقبض المال ولا الكسوة ، فقلت له : يا أبا جعفر رزق ساقه الله اليك. قال لي : والله لا كان لرجال معد قبلي نعمة ».
كذلك إذا عدنا الى مقدمات كتبه وجدناها تختلف عن العادة المتبعة من قبل المؤلفين في ذلك الزمان. فلقد اعتاد هؤلاء اهداء كتبهم الى الأمراء والسلاطين مع سيل من المديح ، كذلك فقد كان بعضهم يمتدح نفسه شارحا الصعوبات التي لاقاها في جمع تلك المعلومات وتصنيفها الخ ...
أما ابن الجزار فلا نجد عنده شيئا من هذا.
إذ يبدأ كتابه « سياسة الصبيان وتدبيرهم » (٣٢)هكذا : « باسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قال أبو جعفر أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد : ان معرفة سياسة الصبيان وتدبيرهم باب عظيم الخطر ، جليل القدر .. ».