فأخبرني بعض من كان قال : نحن جلوس معه تلك العشية حتى سمع حس قرق. قال : وثب ابن الجزار وقال : هذا حس قرق الهواري ، وطلع الدرج وردّ الباب ووقف خلف الباب حتى طلع الهواري فقال : أين هذا الجزار ابن الجزار الذي يقطع في حكم الله و (يحكم) عليّ بالموت؟ وحق هذه القبلة لو وجدته جالسا لجعلت عصاي هذه بين أذنيه ، قولوا له : يا كذاب هذا أنا صحيح سوي ، بهذه العصاة أحارب الرجال ، ثم مضى ».
ويقول في ذلك حسن حسني عبد الوهاب(٢٦) « وربما كان ميله هذا لآراء الشيعة هو السبب الذي حمل أصحاب الطبقات من الأفارقة المالكيين على التغافل عن ايراد ترجمته في مصنفاتهم ، لأنّا لم نر من بينهم من تكلم عليه لا بالكثير ولا بالقليل ».
وجدير بنا هنا أن نذكر شهادة ابن جلجل(٢٧) الذي يكذب أمثال هذه القصص « وكان قد أخذ بنفسه مأخذا عجيبا في سمته وهديه ومقوده. ولم تحفظ عليه بالقيروان زلة قط ، ولا أخلد الى لذة ، وكان يشهد الجنائز والعرائس ، ولا يأكل فيها ، ولم يركب الى أحد من رجال افريقية (أي تونس) ولا الى سلطانها ، إلا الى أبي طالب عم معد (أي الملك المعز) ، وكان له صديقا قديما ، وكان يركب اليه كل جمعة لا غير ».
وقال عنه ياقوت (٢٨) « كان أحمد طبيبا حاذقا دارسا ، كتبه جامعة لمؤلفات الأوائل ، حسن الفهم لها ، وكان مع حسن المذهب صائنا لنفسه » وقال أيضا « انه لم يكن يقصد أحدا الى بيته ».
وربما كان لهذا الموقف المنعزل سبب آخر هو الفوضى وكثرة الحروب ، والاضطرابات التي شاهدتها البلاد منذ قيام الدولة الفاطمية في المهدية واستلام أمور الحكم رجال من كتامة ، وهم بربر لا عهد لهم بالحضارة والمدنية ودليلنا على ذلك أنه في كتابه « أخبار الدولة » على ما يذكر ابن أبي أصيبعة (٢٩) وصف رجال دولة الامام أبي عبيد الله المهدي ، على لسان استاذه اسحق بن سليمان فيقول : « فلما وصل أبو عبد الله داعي المهدي الى رقّادة ادناني وقرّب منزلتي ، وكانت به حصاة في الكلى ، وكنت أعالجه بدواء فيه العقارب المحرقة فجلست ذات يوم مع جماعة من كتامة ، فسألوني عن