بامارة(٢) أفريقية ، ولم ينسلخوا عن الخلافة في بغداد ، فوصلت القيروان في عصر الأغالبة الى مستوى رفيع من الحضارة والمدنية. وأنشأ الأغالبة مدينتين مجاورتين للعاصمة القيروان وهما العباسية ثم رقّادة واتخذوهما مقرا لسكناهم ومركزا لمصالح الدولة فيهما.
ولم يؤثر ذلك على قيمة القيروان ومركزها من الناحية العلمية الثقافية بحيث كانت تجتذب اليها الطلاب من كل حدب وصوب.
ثم قام الأمير ابراهيم الثاني بتأسيس جامعة علمية (هي دار الحكمة) لدراسة الفلسفة والطب والفلك وتقويم البلدان في مدينة رقادة مقلدا بذلك بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة العباسي المأمون في بغداد. وزوده بالكتب الكثيرة ، وكان يرتاده العلماء من كل أنواع الاختصاص ، فترجمت كتب كثيرة ، وألف غيرها.
وعند ما استولى الفاطميون على تونس اهملت القيروان لأنها كانت معقلا من معاقل السنة المالكيين. وبنى عبيد الله عاصمة جديدة له أسماها المهدية. ولكن تأثير القيروان كان قد ذهب بعيدا الى فاس وقرطبة.
وكان في القيروان بيمارستان هو الأول من نوعه في افريقية انشىء في مكان يدعى « الدمنة » فأصبح اسم المستشفى « الدمنة »(٣).
ويبدو أنه كان كبيرا فيه اكثر من ثلاثين غرفة للمرضى ، وكان يزوره الأطباء ، كما كان يزوره أمراء الأغالبة في المناسبات لتفقد أحوال المرضى وأشهر من اهتم به هو زيادة الله الأكبر. كما ألحقت به مجذمة.
وكان الوجهاء والأغنياء يتبرعون بالمال والعطايا لمساعدته.
وظل المستشفى قائما حتى خراب القيروان من جراء الزحفة الهلالية في منتصف القرن الخامس للهجرة.
ومن المؤسف أنه لم يصلنا وصف مفصل ودقيق للبيمارستان القيرواني ولكننا نجزم بأنه كان لا يقل تنظيما عن مثيلاته من بيمارستانات الشرق (٤)كالبيمارستان العضدي.
والمعلوم أنه كان لكل بيمارستان أوقاف كثيرة تموله علاوة على الهدايا