قوله تعالى : « قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ » إلخ ، السلام هو السلامة أو التحية غير أن ذكر مس العذاب في آخر الآية يؤيد كون المراد به في صدرها السلامة من العذاب وكذا تبديل البركة في آخر الآية إلى التمتع يدل على أن المراد بالبركات ليس مطلق النعم وأمتعة الحياة بل النعم من حيث تسوق الإنسان إلى الخير والسعادة والعاقبة المحمودة.
فقوله : « قِيلَ ـ ولم يذكر القائل وهو الله سبحانه للتعظيم ـ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ » معناه ـ والله أعلم ـ يا نوح انزل مع سلامة من العذاب ـ الطوفان ـ ونعم ذوات بركات وخيرات نازلة منا عليك أو أنزل بتحية وبركات نازلة منا عليك.
وقوله : « وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ » معطوف على قوله : « عَلَيْكَ » وتنكير أمم يدل على تبعيضهم لأن من الأمم من يذكره تعالى بعد في قوله : « وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ».
والخطاب أعني قوله تعالى : « يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ » إلى آخر الآية بالنظر إلى ظرف صدوره وليس وقتئذ متنفس على وجه الأرض من إنسان أو حيوان وقد أغرقوا جميعا ولم يبق منهم إلا جماعة قليلة في السفينة وقد رست واستوت على الجودي ، وقد قضي أن ينزلوا إلى الأرض فيعمروها ويعيشوا فيها إلى حين.
خطاب عام شامل للبشر من لدن خروجهم منها إلى يوم القيامة نظير ما صدر من الخطاب الإلهي يوم أهبط آدم (ع) من الجنة إلى الأرض وقد حكاه الله تعالى في موضع بقوله : « وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ـ إلى أن قال ـ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » البقرة : ـ ٣٩ وفي موضع آخر بقوله : « قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ » الأعراف : ـ ٢٥.
وهذا الخطاب خطاب ثان مشابه لذاك الخطاب الأول موجه إلى نوح عليهالسلام ومن معه من المؤمنين ـ وإليهم ينتهي نسل البشر اليوم ـ متعلق بهم وبمن يلحق بهم