ومن الضروري عندنا أن هذا الكمال لا يتم للإنسان وحده لوفور حوائجه الحيوية وكثرة الأعمال التي يجب أن يقوم بها لأجل رفعها فالعقل العملي الذي يبعثه إلى الاستفادة من كل ما يمكنه الاستفادة منه واستخدام الجماد وأصناف النبات والحيوان في سبيل منافعه يبعثه إلى الانتفاع بأعمال غيره من بني نوعه.
غير أن الأفراد أمثال وفي كل واحد منهم من العقل العملي والشعور الخاص الإنساني ما في الآخر ويبعثه من الانتفاع إلى مثل ما يبعث إليه الآخر ما عنده من العقل العملي ، واضطرهم ذلك إلى الاجتماع التعاوني بأن يعمل الكل للكل وينتفع من عمل الغير بمثل ما ينتفع الغير من عمله فيتسخر كل لغيره بمقدار ما يسخره كما قال تعال : « نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا » الزخرف : ـ ٣٢.
وهذا الذي ذكرناه من بناء الإنسان على الاجتماع التعاوني اضطراري له ألزمه عليه حاجة الحياة وقوة الرقباء فهو في الحقيقة مدني تعاوني بالطبع الثاني وإلا فطبعه الأولي أن ينتفع بكل ما يتيسر له الانتفاع حتى أعمال أبناء نوعه ، ولذلك مهما قوي الإنسان واستغنى واستضعف غيره عدا عليه وأخذ يسترق الناس ويستثمرهم من غير عوض قال تعالى : « إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » إبراهيم : ـ ٣٤ وقال : « إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى » العلق : ـ ٨.
ومن الضروري أن الاجتماع التعاوني بين الأفراد لا يتم إلا بقوانين يحكم فيها وحفاظ تقوم بها ، وهذا مما استمرت سيرة النوع عليه فما من مجتمع من المجتمعات الإنسانية كاملا كان أو ناقصا ، راقيا كان أو منحطا إلا ويجري فيه رسوم وسنن جريانا كليا أو أكثريا ، والتاريخ والتجربة والمشاهدة أعدل شاهد في تصديقه وهذه الرسوم والسنن وإن شئت فسمها القوانين هي مواد وقضايا فكرية تطبق عليها أعمال الناس تطبيقا كليا أو أكثريا في المجتمع فينتج سعادتهم حقيقة أو ظنا فهي أمور متخللة بين كمال الإنسان ونقصه ، وأشياء متوسطة بين الإنسان وهو في أول نشأته وبينه وهو مستكمل في حياته عائش في مجتمعة تهدي الإنسان إلى غاية وجوده فافهم ذلك.
وقد علم أن من الواجب في عناية الله أن يهدي الإنسان إلى سعادة حياته وكمال