« أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ » شعراء ـ ٦٥ « أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ » العنكبوت ـ ٢٩ ، ولا شك أن السنة القومية الجارية على فعل شيء يثبت حقا فيه ، والجارية على تركه ينفي الحق.
وبالجملة هم يلفتون نظره عليهالسلام إلى ما يعلم من انتفاء حقهم عن بناته بما هن نساء بحسب السنة القومية وما يعلم من إرادتهم في الهجوم على داره هذا ولعل هذا أحسن الوجوه ، وبعده الوجه الثالث.
قوله تعالى : « قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » « يقال : أوى إلى كذا يأوي أويا ومأوى أي انضم إليه ، وآواه إليه يؤويه إيواء أي ضمه إليه. والركن هو ما يعتمد عليه البناء بعد الأساس.
الظاهر أنه لما وعظهم لوط عليهالسلام بالأمر بتقوى الله وتهييج فتوتهم في حفظ موقعه ورعاية حرمته في عدم التعرض لضيفه بما يجلب إليه العار والخزي ، وقد قطع عذرهم بعرض بناته عليهم بالنكاح ثم استغاث بالاستنصار من أولي الرشد منهم رجاء أن يوجد فيهم رجل رشيد ينصره عليهم ويدفعهم عنه فلم يجبه أحد فيما سأل ولا انماز من بينهم ذو رشد ينصره ويدفع عنه بل أيأسوه بقولهم : « لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ » لم يبق له إلا أن يظهر ما به من البث والحزن في صورة التمني فتمنى أن يكون له منهم قوة يقوى به على دفع عتاتهم الظالمين ـ وهو الرجل الرشيد الذي كان يسأل عنه في استغاثته ـ أو يكون له ركن شديد وعشيرة منيعة ينضم إليهم فيدفعهم بهم.
فقوله : « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً » أي ليت لي قدرة بسببكم بانضمام رجل منكم رشيد إلي يقوم بنصرتي فأدفعكم به ، وقوله : « أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » أي أو كنت أنضم إلى ركن شديد أي عشيرة منيعة يمنعكم مني هذا ما يعطيه ظاهر السياق.
وقيل : إن معنى قوله : « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً » أتمنى أن يكون لي منعة وقدرة وجماعة أتقوى بها عليكم فأدفعكم عن أضيافي. وفيه أن فيه تبديل قوله : « بِكُمْ » إلى قولنا : بهم عليكم. وهو كما ترى.
وقيل : إن معنى « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً » لو قويت عليكم بنفسي. وفيه أنه أبعد