فموسى عليهالسلام مرسل مع آيات وسلطان مبين ، وظاهر أن المراد بهذه الآيات الأمور الخارقة التي كانت تجري على يده ، ويدل على ذلك سياق قصصه عليهالسلام في القرآن الكريم.
وأما السلطان وهو البرهان والحجة القاطعة التي يتسلط على العقول والأفهام فيعم الآية المعجزة والحجة العقلية ، وعلى تقدير كونه بهذا المعنى يكون عطفه على الآيات من قبيل عطف العام على الخاص.
وليس من البعيد أن يكون المراد بإرساله بسلطان مبين أن الله سبحانه سلطه على الأوضاع الجارية بينه وبين آل فرعون ذاك الجبار الطاغي الذي ما ابتلي بمثله أحد من الرسل غير موسى عليهالسلام لكن الله تعالى أظهر موسى عليه حتى أغرقه وجنوده ونجى بني إسرائيل بيده ، ويشعر بهذا المعنى قوله : « قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى » طه : ـ ٤٦ ، وقوله لموسى عليهالسلام : « لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى » طه : ـ ٦٨.
وفي هذه الآية ونظائرها دلالة واضحة على أن رسالة موسى عليهالسلام ما كانت تختص بقومه من بني إسرائيل بل كانت تعمهم وغيرهم.
قوله تعالى : « إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ » نسبة رسالته إلى فرعون وملئه ـ والملأ هم أشراف القوم وعظماؤهم الذين يملئون القلوب هيبة ـ دون جميع قومه لعلها للإشارة إلى أن عامتهم لم يكونوا إلا أتباعا لا رأي لهم إلا ما رآه لهم عظماؤهم.
وقوله : « فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ » إلخ ، الظاهر أن المراد بالأمر ما هو الأعم من القول والفعل كما حكى الله عن فرعون في قوله : « قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ » المؤمن : ـ ٢٩ ، فينطبق على السنة والطريقة التي كان يتخذها ويأمر بها. وكان الآية محاذاة لقول فرعون هذا فكذبه الله تعالى بقوله : « وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ».
والرشيد فعيل من الرشد خلاف الغي أي وما أمر فرعون بذي رشد حتى يهدي إلى الحق بل كان ذا غي وجهالة ، وقيل : الرشيد بمعنى المرشد.