يلحقهما من الخوف والجزع يصيران إلى أهل الشرك مستأمنين أو غير ذلك من الفساد الذي يعلمه الله تعالى ، ولعله لطف للأمة بأن أمر نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بحبسهما عن القتال.
فأما ما توهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما فقد ثبت أنه كان كاملا وأنهما كانا ناقصين عن كماله ، وكان معصوما وكانا غير معصومين ، وكان مؤيدا بالملائكة وكانا غير مؤيدين ، وكان يوحى إليه وينزل القرآن عليه ولم يكونا كذلك ، فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما لو لا عمى القلوب وضعف الرأي وقلة الدين ، والذي يكشف لك عن صحة ما ذكرناه آنفا في وجه إجلاسهما معه في العريش قول الله سبحانه : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والأنجيل والقرآن) (١).
فلا يخلو الرجلان من أن يكونا مؤمنين أو غير مؤمنين ، فإن كانا مؤمنين ، فقد اشترى الله أنفسهما منهما بالجنة ، على شرط القتال المؤدي إلى القتل منهما لغيرهما أو قتل غيرهما لهما ، ولو كانا كذلك لما حال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بينهما وبين الوفاء بشرط الله عليهما من القتل ، وفي منعهما من ذلك دليل على أنهما بغير الصفة التي يعتقدها فيهما الجاهلون ، فقد وضح بما بيناه أن العريش وبال عليهما ودليل على نقصهما وأنه بالضد مما توهموه لهما والمنة لله (٢).
__________________
(١) سورة التوبة : الاية ١١١.
(٢) الفصول المختارة ص ١٤ ـ ١٦ ، بحار الأنوار ج ١٠ ص ٤١٧ ح ٧.