تقديم :
بقلم العلامة المحقق آية الله الشيخ محمد رضا الجعفري (حفظه الله تعالى)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد خلقه وخاتم أنبيائه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
١ ـ طلب إلي أن أقدم لكتاب (مناظرات في الأمامة) في ظروف لم تكن تحملني على هذا النوع من العمل الفكري إن لم تكن تعوقني ، والله سبحانه هو المرجو في السراء والضراء وبه المعاذ والملاذ في الشدة والرخاء ، قلت هذا كي يغفر لي القارئ الكريم إن لم يجد في تقديمي هذا كل ما كان يأمل أن يقرأ حول الكتاب وموضوعه.
ولا يعنيني هنا أن أتكلم عن مدلول (المناظرة) لغويا بعد أن اصطلح عليها على أن تؤدي معنى الجدل الكلامي المباشر ، القائم على المواجهة واستماع كل من المتجادلين كلام الاخر والرد عليه في محضر المواجهة ، فتكون قسما من أقسام (الرد) و (النقض).
٢ ـ وإذا كان أول خلاف وقع بين الأمة الخلاف في الأمامة والأمام ، وإذا كان الجدل والنقاش وعرض وجهات النظر ، والرد على الرأي المخالف من طريق الكلام والمواجهة أسبق وقوعا من الرد كتابة وتأليفا ـ وهذا واضح ـ فبهذا تكون (المناظرة) والجدل عن طريق الحوار قد سبقت سائر أنواع الجدل والنقاش الفكري سبقا زمنيا ، فلابد لنا من القول بأن المناظرة حول الأمامة قد سبقت كل مناظرة كلامية تدور حول الصراع الفكري الذي حدث بين المسلمين في شتى نقاط الخلاف العقائدي والمذهبي بينهم.
وإن كانت المناظرة حول الأمامة والخلافة في أشكالها الأول قد تأطرت بإطار (الاحتجاج) من المعارضين على الفائزين في الصراع السياسي حول قيادة الأمة ، وقد أعطي لها هذا العنوان : (الاحتجاج) إلا أنه لا يخرجها عن شمول عنوان (المناظرة) لها ، فإن الاحتجاج في نفسه هو نوع من أنواع المناظرة ، ويعتمد على إدلاء الحجج واعتماد الأدلة والاعتبارات المناسبة لتصحيح المعارضة وعدم الخضوع لموقف الفئة الحاكمة أو التي تحاول أن تكسب الحكم ، ولا تسلب من الخصم إمكانية الدفاع عن نفسه وعن وجهات نظره ونقض حجج من يحتج عليه.
بل وإن الغلبة في الحجة والفوز في الخصومة الكلامية إن كانتا في جانب المعارضين ، فإن ذلك يدل دلالة أقوى وآكد على أن الحق معهم ، إذ أن خصومهم الذين يعتزون عليهم بما كسبوه من القدرة السياسية والعسكرية لا يأنفون أن يدلوا بحججهم ونقض حجج معارضيهم ، فإن سكتوا هنا أمام معارضيهم ، فستكون له دلالة أقوى من سكوت أحد المتناظرين.