ومن الواضح الذي لا يخفى على أحد ، لا هو ولا الأسباب والعوامل الموجبة له ، أن المناظرات حول الأمامة تشكل القسم الأكبر والأوسع من المناظرات الكلامية لعلماء الأمامية ومتكلميهم أعلى الله درجتهم ورضي عنهم وأرضاهم.
٣ ـ وهذا الكتاب أول محاولة مستوعبة تجمع كل صورة من صور المناظرة حول الأمامة ، أمكن للمؤلف ـ حفظه الله ـ أن يصل إليها ، وشيخنا الطبرسي رحمه الله وإن كان قد سبقه إليه في كتابه الشهير (الاحتجاج) لكنه لم يخص موضوع كتابه بالأمامة وحدها ، وقد انتهى به إلى عصره وهو القرن السادس ، وقد نظم المؤلف مادة الكتاب حسب التسلسل الزمني ، وهذه حسنة أخرى.
والمناظرة حيث أنها تقوم على الحوار المباشر بين المتناظرين وجها لوجه ، فلا يكون أحدهما هو المدلي بحجته والداخل إلى مجلس القضاء وحده كي يقال : من كان في مثل حاله سيكون هو الفائز بحجته والمنتصر على خصمه الغائب عنه ، وهذه بعض السمات الخاصة للمناظرات والتي تمتاز بها عن بقية أنواع النقاش والرد.
هناك شكل آخر من أشكال المناظرة اصطلح عليه بعنوان (الرد) و (النقض) ويقوم على الاستعانة بالكتابة وتأليف الرسائل والكتب ، وإن كان هذا العنوان لا يختص به من حيث المدلول اللغوي ، وقد أكثر منه عماؤنا الأبرار أيضا وحسبك أن ترجع إلى الذريعة ج ١٠ ص ١٧٤ ـ ٢٧ ، ٣٥٤ ـ ٧٥١ فيما جاء بعنوان (الرد) وج ٢٤ ص ٢٨٣ ـ ٢٩٢ ، ٤٥٩ ـ ٥٦ فيما جاء بعنوان : (النقض) عدا ماكان له اسم خاص ، فلم يذكر إلا حب وقوع اسمه في موقعه الخاص من سلسلة الحروف العربية.
وذا أضفنا إلى هذين القسمين قسما ثالثا لم يظهر إلا في العصور احديثة وهو المقالات التي لا تنشر إلا في الصحف والمجلات والدوريات ، ويشكل كمية ضخمة لا يستهان بها حجما وعطاء ، وأرجو أن يقيض الله سبحانه من يتولى جمعها أو فهرستها ، لأدركنا مدى غزارة هذا التراث الثر المعطاء الذي لا يسعنا أن نفرط به.
وقد أحسن المؤلف صنعا حينما نظم هذه المناظرات حسب التسلسل الزمني لوقوعها ، وبهذا مكن الدارسين من متابعة دراستها للكشف عن نقاط القوة والضعف فيها وفي خلفياتها من حيث قدرة المتناظرين وضعفهما ، وازدهار الثقافة الدينية والتمكن العلمي وضمورهما ، حسب مختلف العصور ، والله سبحانه أسأل أن يجعل عمله هذا خالصا لوجهه الكريم وأن يوفقه إلى أن تكون أعماله الاتية ـ سواء التي ترجع إلى كتابه هذا أو إلى غيره ـ أوسع وأكمل ، إنه نعم المولى ونعم النصير.
محمد رضا الجعفري
٣ / ١١ / ١٤١٤ ه