عليٍّ الاجتماعيَّة في الحياة ـ على حقيقة واحدة تبنيه ، هي اعتماده الصدق المُتحلِّي بالعِفَّة المُنزَّهة عن الكذب ، والزور ، والبُهتان ، فإذا هو عدالة إنسانيَّة شريفة بالمُثل النبيلة ، الحاملة جوهر الله في الحياة ، ما عدا ذلك ، فإنَّه مُجتمع لا ينمو أبداً ، بلْ ينحطُّ إلى درك تبرِّيه حيوانيَّته ، وتلفُّظه الحياة مِن جوهرها الكريم ، ويطرده العقل مِن دائرته المُفتِّشة ـ أبداً ـ عن لذَّة حَلِّ الرموز الكبيرة ، التي يشتبك بها صدر الكون ... إنَّها نكبة الإنسان المُرَّة في عدم تلقُّطه بحقيقته الإنسانيَّة ، التي يستدرجه إلى وعيها المُجتمع الأمثل.
ذلك هو نهج عليٍّ في المعركة الكبيرة والطويلة ، فإذا كانت رسالة ابن عَمِّه الناطقة بالآيات البيِّنات ، هي مِن أجل تركيز الأُمَّة على حقيقتها في المُجتمع ، والتوحيد ، والإنتاج الثمين ، فإنَّ معنى ذلك أنَّ مداها هو الذي لا ينتهي ، بلْ يستمرُّ باستمرار تدرُّج الأُمَّة إلى أجيالها الصاعدة في وجودها الحَيِّ. وهكذا ، فإنَّ نهج عليٍّ هو المُشتقُّ منها في حقيقة الاستمرار ؛ لتكون الأجيال الصاعدة ميداناً لها في حقيقة الصراع.
وأظنُّ مُعاوية أدرك هذا العُمق في النهج ، الذي قدّمه عليٌّ مادَّة في المعركة التي مات هو ، ولم تمت هي ، بلْ استمرَّت يقوم بها مِن بعده الإمام الحسن ، وسيموت الحسن ليقوم بها الحسين ، وسيموت الحسين ليستمرَّ بها الخَطُّ الذي هو : وعد تتلقَّط به الأُمَّة ساعة تفتقده ، فتجده مزروعاً في حنينها المُفتِّش عن حقيقتها في السلوك المُمتاز الذي سلكه عليٌّ ، وخَطُّ عليٍّ المدرَّب والمُمنَّع بالإمامة ، التي هي لون سياسيٌّ مُعيَّن النهج ، وصادق الرسالة والوصيَّة ، مِن أجل هذه الأُمَّة التي ستبقى عين النبي ، وهَمَّه النابض بحقيقته الإنسانيَّة الجوهريَّة في الحياة.
وإنَّها الآن المعركة التي فتح لها الميدان الوسيع عليٌّ ، وتركها في عُهدة ابنه الحسن ، وسيظنُّ مُعاوية أنَّه المُنتصر في مُعاهدة الصُّلح ، حول الخلافة التي تنازل له عنها الحسن ، وعلى أنْ تعود إليه ساعة يمنعه عنها قَدَر الموت. لقد استعمل وسيلة الرشوة ، حلَّى بها شَفة عبيد الله بن العباس قائد جيش الحسن ، مِمَّا أضعف الحسن عسكريَّاً في الميدان ، وجعله يُقدِم على عَقد مُعاهدة الصلح اغتناماً