أمَّا الأحداث التي استجدَّت في العصر ، مُنذ غياب النبي إلى هذه الساعة الراقصة بيزيد ، فإنَّما هي أمراس يرقص عليها صِبْيَة الأُمَّة ، يروِّضون بها أقدامهم في ساحات الملاعب ، لتكون لهم ـ في ما بعد ـ حبالاً متينة ، يُدْلون بها إدلاءهم إلى الآبار التي يكونون قد تعبوا بحَفرها ، ينشلون بها ريَّهم مِن الماء الذي يصلون إليه بعد أنْ يتذوَّقوه ، وإلاَّ فينبذونه إلى الأعمق أصفى وأذكى ، تلك هي الأحداث الأمراس في نظر الحسين ـ بعد كثير من التامل ـ لم يتعب مِن الرقص عليها أمام عيون المَلأ ، لا عمر بن الخطاب ، ولا أبو بكر الصدِّيق ، ولا عثمان بن عفَّان ، ولا مُعاوية ، ولا حتَّى أبوه وأخوه ، وأنَّ الدور واصل إليه الآن في مُناجزة يزيد ، إنَّها كلَّها أحداث في الساحة التي تختبر الأُمَّة فيها حقيقة شوقها ، وكيفيَّة إشعالها النار تحت القِدر تطهي فيه وجبات طعامها. أمَّا الرسالة ، فهي التي اجتهدت مليَّاً بتقديم القنوات القويمة والمُستنيرة بلفحات الشُّهب ، لتكون المَحكَّ الأصيل لكلِّ خُطوة تفتِّش عن حَظِّها في التصويب ، وتُعيدها التجربة إليه ، وستكون الرسالة المرجع الدائم للأُمَّة في المضمار ، الذي تطول ضلوعه ومساحاته فوق المكان إلى مالا يحدُّه زمان ، وسيكون معنى ذلك أنَّ اللاعبين هُمْ الذين تُشاهد الأُمَّة قفزهم على الأمراس : هل هو المِران العاقل الموصِل إلى جَدوى؟ أم أنَّه الصبيانيِّ الهوى ، الواقع توَّاً في الحُفر ، والموقعها في الجريرة العمياء؟! أمَّا الضعف فلابُدَّ أنْ ينكشف ، مِثلما لابُدَّ للصواب أنْ تتوضَّح معالمه ويتعمَّق حُفره ، وهكذا تتوصَّل الأُمَّة إلى ترجيح منهج على منهج في عمليَّة التجربة الطويلة ، التي هي وصلة صراع بصراع ، يأخذ بعضه بركاب بعضه الآخر ، فوق الساحة الفسيحة ، التي هي ميدان الأُمَّة في تفتيشها ـ أبداً ـ عن الأفضل والأسمى ، وهكذا تكتشف الأُمَّة أنَّ وجودها الحيَّ هو في وقوعها فوق أرض الميدان ، ثمَّ في نهوضها ـ وإنْ مُهشَّمة ـ إلى استئناف سيرها في التفتيش ، والتنقيب ، والإفادة مِن اقتناص العِبر.
ولقد تبيَّن للحسين أنَّ في الأخطاء ـ وإنْ تكُن مُتتالية ـ دروساً بليغة تُعلِّم الأُمَّة كيفيَّة احتمال شؤمها ، حتَّى يكون للتملُّص منها طَعم لذيذ التذوُّق ، ومشدود العافية ، وأنَّ الذين يسوسون الأُمَّة ويوقعونها في مثل هذا الوبال ، هُمْ الذين