يُعلِّمونها كيف تحزم أمرها تجاههم وهي تقول : إنَّ في الشَّرِّ خيراً عميماً لأُولي الألباب!!!
هل كان الحسين ـ وهو يستدرج في باله مثل هذه الخواطر ـ يُهيِّئ نفسه للنزول إلى المعركة التي وصف مضمارها : بأنَّه الأوسع والأسنى مِن أيِّ مضمار آخر ، تلعب الأُمَّة فيه لُعبة وجودها واستحقاقها ، وبلوغها كلَّ مَزْيَّة مِن مزايا الرُّشد؟ ولكنَّ الاستدراج هذا كان مُعزِّزا بكلِّ ما يلهب العَزم ، ويُحضره لخوض المعركة التي هي نوع مِن أنواع الملاحم. إنَّ الإمامة هي القاعدة التي ينطلق منها ، فهي الحِصن والملجأ ومجمع الذخيرة ، وهي السجلُّ الأصدق ، لأنَّها عِبُّ الرسالة ، ومَحض منها ، ومَخبأ مِن مخابئها ، وإرادة مكنونة في ضميرها ، وزَرد متين في دروعها ، ومجال حريز الصيانة للأُمَّة مِن تلاعب الأهواء في وحدتها ومصيرها ، إنَّها الخلافة الصحيحة لجَدِّه الذي لنْ تفرغ ساحات الصراع مِن التزوُّد مِن مضامين رسالته الحيَّة بوجود الإنسان ، ووجود الأُمَّة للإنسان.
هل يكون استعداد الحسين للنزول إلى ساحة الصراع نزولاً عسكريَّاً ، مُجهَّزاً بسيوف ورماح يقصف بها سيوفاً ورماحاً يُقابله بها خليفة مُعاوية وابنه يزيد؟ لم يظهر أنَّ الحسين قد تجهَّز بمثل هذا التجهيز ، أمَّا الذي بدا فهو مِن الصنف الآخر مِن المُعدَّات التي لن يحرز الحسين النصر إلاَّ بها ، والتي لم يطمح يزيد إلى الحصول على أيِّ نوعٍ مِن أنواعها ، أمَّا حَظُّ يزيد منها ، فكونه قد امتشق سيفاً مِن الذِّلِّ يضرب به عُنق الحسين ، فتناول الحسين حُسامه الأغرَّ ، ودافع به ليس عن عُنقه الأعزل ، بلْ عن عُنقه المسوَّر بالإمامة ، وعن صدر الأُمَّة المُدرَّعة برسالة جَدِّه ، وطُهْر أُمِّه ، وفِقار أبيه ، ونصاعة أخيه في الساحة البيضاء ... ما عدا ذلك فإنَّ يزيد قد تضاءل جِدَّاً أمام عين الحسين ، وأصبح طيفاً يتراءى في باله ، مَمزوجاً مزجاً مُركَّباً بمُعاوية أبيه ، وعثمان ، وعمر ، وأبي بكر ، وكلُّهم مِن الحَزمة التي يراهم فيها الحسين ، يشدُّون حِبالها على خِصر الأُمَّة وعُنقها مع عمرو بن العاص ، وبشير بن النعمان ، وأبي موسى الأشعري ، وزياد ابن أبيه أوْ أخي أخيه ، ومروان بن الحَكم ، وعبيد الله بن زياد ، وهذا الأخير الوالي المعزول ابن عتبة السفياني ...