قدَّمها على خشبة المسرح في كربلاء ، هي الصنيع الملحميِّ الكبير ، ما أظنُّ هوميروس تمكَّن مِن تجميع مثله في إلياذته الشهيرة ، هنالك أبطال اعتلوا الجوَّ خشبة لعبوا عليها ، وهنا بطولة واحدة أتمَّت ذاتها بذاتها ، فَذَّة في مَسراها ، ومُصمِّمة في عزمها ، وإنسانيَّة في قضيَّتها ، وواضحة في أهدافها ، وحقيقية في عرضها المُشاهد ، وهي ـ بالوقت ذاته ـ مُركَّزة على ملحمة أُخرى أصيلة ، هي التي قدَّمها جَدُّه العظيم ونفَّذها فوق الأرض وتحت السماء ، فإذا هي ملحمة تنتصر بالإنسان فوق أرض الإنسان وتحت سماء الإنسان ، لا خيال فيها ، بلْ واقع إنسانيٌّ مَحض ، لحمت الأُمَّة وعجنتها بعضها ببعض ، في مُدَّة مِن الوقت لم تتجاوز عشرين يوماً ، مِن أوَّل خُطوة خرج بها مِن مَكَّة ، إلى آخر خُطوة خرَّ بها صريعاً في كربلاء العطشى وهي ضِفَّة مِن ضِفاف الفرات.
هل يجوز لنا وقد رافقنا الحسين سِتَّاً وخمسين سنة وهي كلُّ عُمره ، أنْ لا نقفو خُطاه في البقيَّة الباقية مِن أيَّامه بيننا على وجه الأرض ، وهي بقيَّة محفورة الخُطوات ، مَشاها على فترة عشرين يوماً ، فإذا هي نقش مُطرَّز بالدم ، ولكنَّه مُطيَّب بعبير البطولة القاصدة تحديد معنى البطولات في دنيا الإنسان ، فلنُرافقه ـ إذاً ـ مِن مَكَّة إلى كربلاء ، ولنكُن ـ على الأقل ـ مُشاهدين نمتصُّ عريناً ، ونمتصُّ التخاذل فينا ، ونمتصُّ شَذا البطولة وهي تدعونا إلى كلِّ إباء يجمعنا إلى حقيقة الذات ـ ذاتنا الاجتماعيَّة ـ يا للغبطة! الحسين وهو يُحقِّق ذاته فينا.
ـ ١ ـ
لا شكَّ أنَّنا الآن مِن المُشاهدين الذين لهم تألَّفت الملحمة التي صاغها الحسين ، وكانت كربلاء خشبة مسرحها ، ليس المُشاهدون زُمرة مؤلَّفة مِن عبيد الله بن زياد والي البصرة والكوفة في الوقت الحاضر ، ولا مِن عمرو بن سعيد بن العاص والي الحِجاز ، ولا مِن الحصين بن تميم ، والحُرِّ بن يزيد التميمي ، أو مِن عمر بن سعد بن