أبي وقَّاص ، الذي قابل ـ أخيراً ـ الحسين بثلاثين ألفاً نزلوا كربلاء وحزُّوا عُنق البطل! لا ، وليسوا أزلام يزيد ، وأزلام ابن زياد ، وليسوا القبائل الذين كان يُمثِّلهم سليمان ابن صرد الخزاعي مع رؤساء الأخماس المُوزَّعين في البصرة ، إنَّ المُشاهدين ـ ونحن منهم الآن ـ هُمْ كلُّ هؤلاء الذين سمَيثلون أمام خشبة المسرح المُسمَّاة بكربلاء ، بارتباط وثيق وممدود إلى خارج البصرة والكوفة ، إلى الشام ومصر ، واليمن وكلِّ أرجاء الحِجاز ، إلى كلِّ نَسمة أو نأمة تُمثِّل الأُمَّة التي تعب على رصِّها ومزجها ، وإخراجها وليِّها المُسمَّى محمداً جَدَّ الحسين ... إنَّ الأُمَّة جمعاء هي التي قصد الحسين اعتبارها قِبلته الكُبرى ، وهي الأحقُّ في الاستماع إليه يُرشدها ويُقدِّم لها الولاء ممهوراً بجُهد الروح ، ومشفوعاً ببذل الدم.
ـ ٢ ـ
وخطوط القوافل ، إنَّها مُمتدَّة مِن مَكَّة إلى العراق والشام عِبْر الصحراء ، ولقد أُنشئت فيها مَحطَّات تضبط السير مِن الضياع ، وتكون في الوقت ذاته أمكنة يرتاح فيها المُسافرون ، حتَّى يتمكَّنوا مِن مُتابعة الرحلة الطويلة والشاقَّة. إنَّها عديدة ، أمَّا المشهور منها فهو مُرتَّب هكذا مِن مَكَّة إلى البصرة والكوفة وأرض الشام : التنعيم ، الصفاح ، وادي العقيق ، الحاجر مِن بطن الرُّمَّة ، ماء العرب ، واقصة ، الخُزيميَّة ، الثعلبيَّة ، زُبالة ، بطن العقبة ، شراف ، التعذيب ، الهجانات ، كربلاء.
أخذت قافلة الحسين الطريق مِن مَكُّة وبقيت تخطُّ حتَّى توقَّفت في كربلاء ، مِن عشرين ذي الحَجَّة مِن السنة الحادية والستِّين هجريَّة ، وتوقَّفت في كربلاء في اليوم الأوَّل أو الثاني مِن الشهر التالي مُحرَّم ، إنَّنا الآن نُرافقه كمُشاهدين ومُصغين ، إنَّ في المُشاهدة عِبرة سخيَّة ، ولكنَّ الإصغاء إليه في المُناسبات اللجوجة كان وفير التأمُّل ، لأنَّه كان تظهيراً أصيلاً لكلِّ ما في نفسه مِن لواعج ، ولك ما في رؤياه مِن مدى وصدى.