ـ ٤ ـ
بالرغم مِن أنَّ المُعتدَى عليه كان يسكت ويصبر على الضيم ، علَّ الليل يأتي بصباح آخر طيِّب الشمس ، كان المُعتدي لا يقبل إلاَّ بالتحدِّي.
لم يدرِ أهل البيت في أيَّة ساعة مِن ذلك الليل ، تسلَّل أُمويٌّ سفيانيٌّ إلى ساحة الدار ، واقتلع منها شجرة الأراك التي كانت وحدها مَظلَّة النبي ، وكانت وحدها ظِلاًّ يركن إليه صِبْية الحيِّ ليلعبوا مع الحسن والحسين ، في كلِّ ضحوةٍ محمومة بلهيب الشمس ، في تلك الليلة بالذات ، كان أهل البيت متحلِّقين حول عميدهم عليٍّ ، وهو يُطلعهم على تصرُّف الخليفة أبي بكر بحجزه (نِحلة فَدَك) عنهم ، كأنَّه لا يُريد لهم أيَّة بحبوحة مِن رزق تعولهم في حشرة الشَّحِّ!!.
ما تحمَّلتها فاطمة عندما فتحت الباب مع الصباح ، ولمحت شجرتها العفيفة مطروحة فوق التراب ، لقد تلفَّعت بخِمارها وانسابت ، كأنَّها قضيب مِن بانٍ معكوف عليه صولجان ، لقد تعلَّق بذيلها ـ وهي تهرول ـ فتاها الحسين ، لأنَّه عرف أنَّها تقصد المسجد.
لقد انتثرت ـ أمام مِن اغتصب المشيئة ، واقتلع مِن الساحة شجرتها المُظلَّة ـ ثورة مبحوحة الصوت ، ما تردَّت أُنوثتها مِن قَدِّها النحيل ، إلاَّ وتبدَّت بجبروتها مِن عُنفوانها الأصيل.
لقد أفهمته أنَّ الأُمَّة العظيمة ، التي ينشرها أبوها لتكون هديَّة ومِثالا على صفحة الأرض ، إنَّما هي صداه في جبروته المُتلقط بالذمَّة الكريم الطاهرة البنَّاءة ، وسألته : لماذا تُعطِّلون أنتم الذمَّة ، وتطمرون الصدى في حفر الجحيم؟! إنَّ الشجرة للظلِّ ـ فهي الوارفة ـ وتدَّعون أنَّكم ما قطعتم الظِلَّ إذ اقتلعتم الشجرة!!!
وفَدك ، أيُّها المُتنعِّمون بخيرات الفيء ـ وهل كان الفيء غير ظِلٍّ مِن أظلالنا؟! ونحن الذين استقيناه مِن كوثر النعيم ـ فلماذا تحرموننا منه ونحن الذين أفضناه؟