والفكر ، والتوجيه ، والعَزم ، والإرادة. إنَّ هذا الرجل هو الذي يُمثِّل الخلافة المصقولة بالإمامة ، وهو الذي يمنع ـ وحده ـ رجوعاً إلى زعامات تقليديَّة يدعمها ـ مِن هنا وهناك ـ عدد لا يُحصى مِن القبائل ، وهو الذي يُمثِّل رسالة ما نجح غيرها في المُجتمع ، وهو الذي ينقدُّ ضلعاً أميناً مِن الرسالة ، وشَفرةً كريمةً مِن مَعدنها الأصيل ، وحارساً أميناً لعهودها المُرتبطة بالصدق والحَقِّ.
لقد تمَّ تعيين البيت الذي يحَضن الرسالة المُنبثقة مِن قلب الجوهر ، أمَّا النبيُّ العظيم ، وابنته التي كأنَّها جُبلت خصيصاً بطبيعتها الأنيقة ونفسها الكريمة ، وابن العَمِّ الذي ذابت كلُّ أجيال الجزيرة حتَّى أفردته فريداً في الصدق والعقل والعَزْم والبطولة ، هُمْ الآن الفاهمون القصد ، والمُجتمعون على تنفيذه ؛ لأنَّه هو وحده المستجيب لحقيقة الرسالة ، التي كانت ترجمة صادقة لمُجتمع تحقَّق والْتَمَّ ، وتمَّ أيضاً ملء البيت بالفتيلتين المؤلِّفتين سلك النور الذي سيستضيء به خَطُّ الرسالة والإمامة ، فلتكن لنا مُرافقة الحسين حتَّى تستقيم معه مُتابعة الدراسة ، فهو صاحبنا الآن في الرفقة الكريمة.
أقول : ـ ثلاثة هُمْ الراسمون القصد ، وهُمْ وحدهم الفاهمون ، وهُمْ الذين يُخرجونه بالمَبنى وبالمعنى ، وبوضح النهج ، أمَّا الحسين الطفل ، فهل كان له أنْ يعرف أنَّه هو القصد المُضمر؟ وأنَّه هو الذات المُستترة في البال وخَلف البال ، وفي الحُلم ، وفي الأبعَد منه ، وفي البيت ، وفي الأرفع والأفسح مِن سقفه؟ ولكنْ مَن يقول : إنَّ ليس للطفولة إدراك مُخبَّأ في الحِسِّ ، والشعور وطويَّة الذات ، وهو الذي يتغذَّى مِن كلِّ ما يحتكُّ به ، لينطلق مُعبِّراً عنه؟
ونقول : ـ إنَّ كلَّ ما احتكَّت به طفولة الحسين ، هو الذي كان ذُخراً في حِسِّه وشعوره وطوية نفسه ، وهو الذي ترسَّخ به عقله وقلبه وفكره ، وهو الذي تركَّز به واستقام رأيه ، واقتناعه ونهجه ، وهو الذي عبَّر عنه في كلِّ كلمة قالها ، وفي كلِّ عَزم مسح به إرادته وروحه وصلابته ، في الاقتحام والاحتمال ، لقد أصبح الجوُّ الذي رُبِّي وترعرع فيه الحسين ، كلُّ الحسين. إنَّه ـ في آنٍ واحد ـ