البيت ، وكلُّ أهل البيت ، بكلِّ ما في العبارة مِن معاني حقيقيَّة ومَجازيَّة على الأرض ، إنَّه البيت وجُدران البيت ، وباحته ، وشجرة الأراك فيه ، وليست كلُّها موجودة إلاَّ لأنَّها احتواء مُتكامل بأُمِّه فاطمة المُرتبطة ارتباطاً أمتن مِن الحُبِّ ، وأبهى مِن العِشق ، بأبيها محمد ، وبزوجها عليٍّ ، وبالتالي به هو الذي لا يقدر إلاَّ أنْ يأخذهم جميعاً إلى صدره ، وقلبه ، وروحه ، بحُزمةٍ واحدةٍ مِن الشوق الذي يَكبر أبداً ويكبر.
ونقول : ـ لا معنى للحسين ، لا في الوصف ولا في التحديد ، مِن دون أنْ نربطه ربطاً مُحكماً بجَدِّه وأبيه وأُمِّه ، ذلك هو الجَوُّ الذي رُبِّي فيه ، وتلك هي الوحدة التي كانت لُحمة إطاره ، فإذا كان لنا أنْ نتبيَّنه في ما بعد ، فسنجده تعبيراً مُتباهياً ـ أبداً ـ بجُدوده الأوفياء للحَقِّ ، والذين خرج مِن صُلبهم رجل راح يُسمِّيه ـ دائماً ـ (جَدُّه) وهو الرجل العظيم المُتوشِّح بالنبوَّة ، وهو الذي ما حبلت امرأة مِن نساء الجزيرة بأعقل منه ، وأكبر منه ، وأورع منه ، فهو الجزيرة ، وهو الرسالة ، والقضيَّة ، في سبيل مُجتمع الجزيرة ، وهو الأُمَّة التي تعتصب به ، وبنوره تمشي دروبها. إنَّ هذا الرجل هو جَدُّه الرسول ، وأبو أُمِّه الأجمل والأحلى والأطهر ، وابن عَمِّ أبيه الأمتن والأصدق ، والأنبل.
إنَّ المُختصر الوحيد ـ لهؤلاء الثلاثة الذين هُمْ في وجود الحسين كلِّ الحسين ـ هو في الرسالة ، وإنَّ القصد الوحيد مِن تنشئة الحسين تنشئة مغمورة بهذا اللون مِن الحُبِّ والعطف والرعاية ، هو مِن أجل إمداده بالحِسِّ والشعور الأمتنين والأصدقين ، مِن أجل القيام على الرسبالة ، وإنَّ الرسالة بمُطلقها الأساسي والجوهري ، هي مِن أجل هذه الأُمَّة ، التي هي المُستودع الأوحد لهذه الرسالة ، التي هي ـ بحقيقتها الواسعة ـ هذا الإنسان تبنيه القيمة ، وإنَّه ـ هو الحسين ـ تجسُّد لهذه القيمة ، زرعتها الرسالة فيه ، ليكون أوَّل مِن يمتثَّل إلى تعهُّدها ، والسهر عليها ، وهي التي تستدرج الأُمَّة ـ بها ـ وجودها النامي بالحَقِّ ، والصدق ، وعِفَّة الوجدان.