كلُّ هذا كان بالإحاطة حول تنشئة الحسين ، وما كان الحسين إلاَّ ليعيها ـ وهو طفل ـ ولتتجسَّد وتفخَّم فيه ، وهو ينمو وينهد إلى الشباب والرجولة ، ولتُصبح ـ بكلِّ ما فيها مِن مقصد ومعنى ـ محفورة في نفسه ، وعقله ، وشعوره. لقد فَهم مَليَّاً ـ مع تقدُّمه بالفَهم والإدراك ـ أنَّ تنشئته كانت بهذا الشكل ، والنوع واللون ، لأنَّه مزروع للقضيَّة ـ للرسالة التي هي القضيَّة ـ للأُمَّة التي هي أُسُّ الرسالة ، وللإنسان الذي هو كلُّ القضيَّة.
يصحُّ القول : ـ إنَّ لكلِّ تربية أثراً ما في مُجتمعات الإنسان ، تعكس ـ إلى حَدٍّ بعيدٍ ـ بُنية ذلك المُجتمع ، ومُقدار ما حصل عليه مِن الوعي والرُّشد ، ليكون التوجيه التربوي الهادف تلبية للحاجة المُلحَّة إلى التطوير ، ورفع المُجتمع مِن سويَّة إلى سويَّة ، وكانت تنشئة الحسين مشغولة بهذا النوع الوجيه الهادف ، وكان مُبالغاً في تعهُّدها وإظهارها للعَيان ، لثلاثة أسباب وجيهة :
ـ السبب الأوَّل : وهو شعور المُربِّي المُتعهِّد الضمني ذاته ، بأنَّ المقصد الكبير تلزمه العناية الكبيرة ، بحيث لا يجوز أنْ تكون حياكة قميصه إلاَّ على النول الأميز.
ـ والسبب الثاني : هو في التدليل البارز في نوعيَّة التنشئة ، حتَّى يشعر فتاها بأنَّه هو المُشار إليه ، وما ذلك إلاَّ حتَّى يشعر هو بأنَّ حمله سيكون جليلاً ، وأنَّه المُنتدب المُميَّز للمسؤوليَّة المُميزة ، وحتَّى يشعر بأنَّ هذا الجلال الذي يختم به إنَّما هو ظِلٌّ لذياك الجلال توشُّحه به الأُمَّة حتَّى تكبُر وتكبُر في ساحات التباهُل.
ـ والسبب الثالث : هو في الظهور الأبرز أمام الرأي العامِّ ، بأنَّ المدلول إليه بالتنشئة المُختصَّة والمُميَّزة ، إنَّما هو ـ بالتخصيص والتعيين ـ مُمثِّل للقدر الكبير الذي طابت على يده الرسالة ، وإنَّه هو الوحيد الذي جمع الأُمَّة ، وأنَّه هو الرائي البصير في كيفيَّة تعهُّدها حتَّى لا يطالها ، لا تعثُّر ، ولا وَهن ، ولا رِدَّة تهدر الجُهد أو تُخفِّف مِن مَزاياه.
تلك هي الأزاميل التي عمَّقت حُفرها في تكوين بُنية الحسين الروحيَّة والعقليَّة على السواء ، أمَّا أنْ يصطدم ـ كما رأينا مِن واقع الأحداث ـ بعد غياب جَدِّه عن