خسر حِضنين كانا كلَّ طفولته السعيدة ، وكلَّ فرحه في الدنيا ، وبقي له حِضنان راحت تزرع الأحداث فيهما همَّاً ونَكداً أصابه كلُّ ثقل منهما في صميمه! أيكون جَدُّه ـ وهو نبيُّ الأُمَّة وحامل الرسالة ، وجامع الحَقّ وأبو صبيان كلِّ الجزيرة ـ مُستحقَّاً كلَّ هذا الهَمِّ والنَكد ، وهذا هو عِقاب الجاحدين الكافرين؟!!!
يا للحوار! الآن يدور بين الحسين الرازح تحت مثل هذا الثقل مِن المُعاناة ، وبين أبيه علي المُصغي إليه بكلِّ شغاف روحه. وسأل الحسين :
الحسين : ـ أبي ، إنِّي لا أزال أبحث مع نفسي ، ولكنَّني بحاجةٍ إليك حتَّى تشرح لي : كيف أوصل أبو بكر الخلافة إلى عمر؟!
علي : ـ لم تصل الخلافة إلى أبي بكر إلاَّ عن طريق عمر ، بتفاهُمٍ ضمنيٍّ عند عمر ، معناه : إذا صحَّت التجربة فأبو بكر هو الخليفة أوَّلاً ، ثمَّ يردُّها إليه إذ يشعر بدنوِّ الأجل ، وهكذا صحَّت المُحاولة ، وها هو عمر خليفة بدل أبيك ، وبعد جَدِّك على المسلمين.
الحسين : ـ واضح ذلك ، ولكنْ لو لم تصحَّ التجربة؟
علي : ـ لكانوا اعتمدوا عِدَّة طُرق سواها ، يوفُّر نجاح كلِّ واحدة منها شرط واحد ، وهو إبعاد أهل البيت عن خلافة ربِّ البيت!!!
الحسين : ـ ومَن هُمْ القبائل الذين يؤازرون عمر؟
علي : ـ لا قبائل يوآزرون عمر ، بلْ القبليَّة هي التي آزرته
الحسين : ـ ومَن هُمْ القبائل؟ وما تكون نسبة القبليَّة إليهم؟
علي : ـ القبائل هُمْ نحن ، إنَّهم العرب ، إنَّهم الجزيرة ، إنَّهم الأُمَّة ، الأُمَّة الكريمة في تراثها المُتجسِّد بجَدِّك العظيم ، إنَّهم التاريخ البعيد فوق الأرض المُتمدِّدة بالحياة إلى كلِّ هذه الأصقاع التي لا نَزال ـ كما كنَّا ـ نتحرَّك في كلِّ سهولها وجبالها ، وواحاتها ومَفاوزها ... ونبني فيها زرعنا وضرعنا ، ونخيلنا وكُرومنا ، وبساتين الخير وحصاد العافية ، إنَّهم الأُمَّة فوق