وتقول الرواية : ودخل عبد الله بن العبّاس على الحسين (عليه السّلام) فكلّمه ليلاً طويلاً.
وقال [ص٢٠٤] : أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة ، لا تأتِ العراقَ ، وإن كنتَ لا بُدّ فاعلاً فأقم حتّى ينقضي الموسم ، وتلقى النّاسَ وتعلم على ما يصدرون ، ثمّ ترى رأيك.
وتحدّد الرواية تاريخ هذا الحديث في عشر ذي الحجّة سنة ستّين.
وتقول الرواية : فأبى الحسين إلاّ أن يمضي إلى العراق ، وقال لابن عبّاس :
«يابن العبّاس ، إنّك شيخ قد كبُرت» (١). ثمّ خرج عبد الله من عند الإمام (عليه السّلام) وهو مغضب.
ولو صحّت الروايةُ فإنّ إقدام ابن عبّاس على هذا العمل ، وانبعاثه ببعث يزيد ، وأُطروحته بتأخير الحركة ، وسائر كلامه يدلّ على تناسي ابن عبّاس لمقام الحسين (عليه السّلام) في العلم والإمامة ، وعلى بُعده عن الأحداث ، فكان جواب الحسين (عليه السّلام) بأنّه «شيخ قد كبر» تعبيراً هادئاً عن فقده للذاكرة ، وقوّة الحدس ، وما اتصّف به ابن عبّاس من الذكاء طول حياته الماضية والتي كشفتْ عنها مواقفُه السامية ، مع أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) ذكر لابن عبّاس أمراً جعله يهدأ ، وهو قوله له :
[ص٢٠٤] : «لأن أُقتلَ بمكان كذا وكذا أحبُّ إليّ أن تستحلّ بي» ، يعني مكّة.
فبَكى ابن عبّاس ، وكان يقول : فذاك الذي سلا بنفسي عنه (٢) ، وهذا ما يُبعد كل ما احتوته تلك الرواية ، ولعل الرواة خلطوا بين ابن الزبير وابن عبّاس ، ولو كان يزيد تمكّن من تحريك شيخ بني هاشم في تنفيذ ما يُريد ، فكيف لغيره من البُلهاء والمغفَّلين ، أو البسطاء والمستأجرين؟!
وأمّا ابن عمرو بن العاص فلم تُؤثر عنه كلمة في «الناصحين» ، إلاّ أنّه قال لمّا سُئل عن الحسين (عليه السّلام) ومخرجه [ص٢٠٦] : أما إنّه لا يَحِيْكُ فيه السلاحُ (٣).
____________________
(١) و (٢) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٢.
(٣) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤٤.