[ص٢٠٣] «... إنّه لم يُشاقق مَنْ دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنّني من المسلمين» (١).
فإذا كان الحسينُ (عليه السّلام) خارجاً لأداء واجب الدعوة إلى الله ، فلا يكون خروجه لغواً ، ولا يحقّ لأحد أن يُعاتبه عليه ، لأنّهُ إنّما يؤدّي بإقدامه واجباً إلاهيّاً وضعه اللهُ على الأنبياء وعلى الأئمّة (عليهم السّلام) من قبل الحسين وبعده.
وإذا أحرز الإمام تحقّق شروط ذلك ، وتمَّتْ عنده العدّة للخروج من خلال العهود والمواثيق ، ومجموعة الرسائل والكتب التي وصلت إليه ، فهو لا محالة خارج ، ولا تقف أمامه العراقيل المنظورة له والواضحة فضلاً عن تلك المحتملة والقائمة على الفرض والتخمين ، مثل الغدر به وهلاكه ، ذلك الذي عرضه «الناصحون».
فكيف لو كان المنظور هو الشهادة والقتل في سبيل الله التي هيَ من أفضلِ النتائج المتوقّعة والمترقّبة والمطلوبة لمن يدخل هذا السبيل؟! مع أنّها مقضيّة ومأمور بها ، وتحتاج إلى توفيق عظيم لنيلها ، فهي إذاً من صميم الأهداف التي يضَعها الإمام أمام وجهه لا أنّها موانع لإقدامه.
وأمّا أهل العراق وسيرتهم ، وأنّهم أهل النفاق والشقاق ، وعادتهم الغدر والخيانة ، فتلك أُمور لا تُعرقل خُطّة الإمام (عليه السّلام) في قيامه بواجبه ، وإنّما فيها الضرر المتصوّر على حياة الإمام (عليه السّلام) ، وتمسُّ راحته.
وليس هذا مهمّاً في قبال أمر القيادة الإسلاميّة ، وأداء واجب الإمامة حتّى يتركها من أجل ذلك ، ولذلك لم يترك الإمام عليّ (عليه السّلام) أهل الكوفة بالرغم من استيائه منهم إلى حدّ الملل والسأم ، لكن لا يجوزُ له شرعاً أن يترك موقع القيادة وواجب الإمامة من أجل أخلاقهم المؤذية لشخصه.
وكذلك الواجب الذي أُلقي على عاتق الإمام الحسين (عليه السّلام) بدعوة أهل العراق وأهل الكوفة بالخروج إليهم ، والقيام بأمر قيادتهم ، وهدايتهم إلى
____________________
(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٤١.