الإسلام ، لم يتأدَّ إلاّ بالخروج ، ولم يسقط هذا الواجب بمجرّد احتمال العصيان غير المتحقّق في ظاهر الأمر ، فكيف يرفع اليد عنه؟ وما هو عذره عن الحجّة التي تمّت عليه بدعوتهم له ولم يبدُ منهم نكثٌ وغدرٌ بعدُ؟ فلا بُدّ أنْ يمضي الإمام (عليه السّلام) في طريق آداء واجبه حتّى تكون له الحجّة عليهم إذا خانوا وغدروا كما حدث في كربلاء ، ولو على حساب وجوده الشريف.
وقد كان الإمام يُعلن ويُصرّح ويُشير باستمرار إلى «كتب القوم ورسائلهم» عندما يُسأل عن وَجْه مسيره ، ليدلّ المعترضين على خروجه إلى هذا الوجه الرصين المحكم ، وهذا الواجب الإلهيّ المستقرّ على الإمام (عليه السّلام) ، وهكذا أسكت الإمام (عليه السّلام) اعتراض ابن عمر ، فقال له مكرّراً [٢٤٦] : «هذه كتبهم وبيعتهم» (١).
وكلّ مسلم يعلم أنّ الحّجة إذا تمّت على الإمام (عليه السّلام) بحضور الحاضر ووجود الناصر فقد أخذ الله عليه أن يقومَ بالأمر عند انعدام العذر الظاهر ، ولا تصدُّه احتمالاتُ الخِذلان ، ولا يردعُه خَوفُ القتل عن ترك واجبه أو التقصير في ما فُرض عليه ، بل لا بُدّ من أن يسيرَ على ما ألزمه الله ظاهراً من القيام بالأمر ، وطلب الصلاح والإصلاح في الأُمّة ، حتّى تنقطع الحّجة ولا يبقى لمعتذر عذر ، وهكذا كانَ يعملُ الأنبياء (عليهم السّلام) من قبل.
وها هو الحسين (عليه السّلام) إمام عصره وسيّد المسلمين في زمانه ، يجد المخطّط الأُمويّ لعودة الناس إلى الجاهليّة يُطبَّق ، والإسلام بكلّ شرائعه وشرائحه يُهدّد بالاندثار والإبادة ، ويجد أمامه هذه الكثرة من كتب القوم ودعواتهم ، وبيعتهم ، وإظهارهم للاستعداد ، فأيُّ عذر له في تركهم وعدم الاستجابة لهم؟!
____________________
(١) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ٧ / ١٣٥.