عارها وشنارها ، كما أنّها أدهشت العقول وحيّرت الفكر في خطبتها بالنّاس ، والنّاس يومئذ حيارى يبكون لا يدرون ما يصنعون : وأنّى يرحض عنهم العار بقتلهم سليل النّبوّة ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وقد خاب السّعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وباؤوا بغضب من اللّه وخزي في الآخرة ، ولَعذاب اللّه أكبر لو كانوا يعلمون؟!
كما أنّها أظهرت أمام ابن ميسون أسرار نهضة أخيها الحسين عليهالسلام ، وعرّفت الاُمّة طغيان يزيد وضلال أبيه ، وفظاعة أعمالهم وعظيم ما اقترفوه ، وفيما قالت له : أظننت يا يزيد ، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السّماء ، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى ، أنّ بنا على اللّه هواناً ، وبك عليه كرامة (١)؟! الى اخر كلامها.
ولهذه الفصاحة الدقيقة جاء بها شهيد العزّ والإباء إلى العراق ؛ لعلمه أنّ الغاية التي يُضحّي بنفسه لأجلها ستذهب أدراج السّلطة الغاشمة ، وتبقى الحقيقة مستورة على السُّذّج لو لمْ يتعقّبها لسان ذرب ، وأنّ كُلّ أحد لا يستطيع في ذلك الموقف الحرج الذي تحفّه سيوف الظلم ، أنْ يتكلّم بالحقيقة مهما بلغ من المنعة في عشيرته إلاّ العقيلة ؛ فإنّها التي تعلن بموبقات ابن مرجانة وابن معاوية ، وإنّ ما جرى على ابن عفيف الأزدي شاهد له.
كما أنّه عليهالسلام كان على يقين وثقة بإخبار جدّه الرسول صلىاللهعليهوآله أنّ القوم ـ وإنْ بلغوا الخسّة والغواية ، وتناهوا في الخروج عن سبيل الحميّة ـ لا يمدّون إلى النّساء يد السّوء ، وقد أنبأ سلام اللّه عليه عن هذا بقوله لهنّ ساعة الوداع :
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٥ / ١٣٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٤٧.