يُشاهده مصيبةً سوف تجري عليه ، يُقلّب كفّيه اللذين سيُقطعان في نُصرة حُجّة وقته فتهمل عيونُهُ.
ويُبصر صدرَه عيبةَ العلم واليقين ، فيُشاهده منبتاً لسهام الأعداء ، فتتصاعد زفرتُهُ ، وينظر إلى رأسه المُطهّر فلا يعزب عنه أنّه سوف يُقرع بعمد الحديد ؛ فتثور عاطفتُهُ وترتفعُ عقيرتُه ، كما لا يُبارح فاكرته حينما يراه يسقي أخاه الماء ما يكون غداً من تفانيه في سقاية كريمات النّبوّة ، ويحمل إليهنّ الماء على عطشه المرمض ، وينفض الماء حيث يذكر عطش أخيه عليهالسلام ؛ تهالكاً في المواساة ، ومبالغة في المفادات ، وإخلاصاً في الاُخوّة ، فيتنفس الصعداء ، ويُكثر من قول : «مالي وليزيد!» (١). وعلى هذا فقس كُلَّ كارثةٍ يُقدّر سوف تلمّ به وتجري عليه.
فكان هذا الولد العزيز على أبويه وحامّته ، كُلّما سرّ أباه اعتدالُ خلقتِهِ ، أو ملامح الخير فيه ، أو سمة البسالة عليه ، أو شارة السّعادة منه ، ساءه ما يُشاهده هنالك من مصائب يتحمّلها ، أو فادحٍ ينوء به ؛ من جُرحٍ دامٍ ، وعطشٍ مُجهدٍ ، وبلاءٍ مُكرب.
وهذه قضايا طبيعيّة تشتدّ عليها الحالة في مثل هاتيك الموارد ، ممّن يحمل أقلّ شيء من الرّقّة على أقلّ إنسان ، فكيف بأمير المؤمنين عليهالسلام الذي هو أعطف النّاس على البشر عامّة من الأب الرؤوف ، وأرقّ عليهم من الاُمّ الحنون.
إذاً فكيف به في مثل هذا الإنسان الكامل (أبي الفضل) الذي
__________________
(١) مثير الأحزان لابن نما الحلّي / ١٢.