آخر من بني تميم فطعنه فوقع ، فذهب ليقوم فضربه الحُصين بن تميم على رأسه بالسّيف فوقع ، ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه ، فقال له الحُصين : إنّي لشريكك في قتله. فقال الآخر : واللّه ، ما قتله غيري. فقال الحُصين : أعطنيه أعقله في عُنق فرسي كيما يرى النّاس ويعلموا أنّي شركت في قتله ، ثُمّ خذه أنت بعدُ فامضِ به إلى عبيد اللّه بن زياد ، فلا حاجة لي فيما تُعطاه على قتلك إيّاه. فأبى عليه ، فأصلح قومه فيما بينهما على هذا ، فرفع إليه رأس حبيب بن مظاهر ، فجال به في العسكر ، قد علّقه في عُنق فرسه ، ثُمّ دفعه بعد ذلك إليه ، فلمّا رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخرُ رأسَ حبيبٍ فعلّقه في لبان فرسه ، ثُمّ أقبل به إلى ابن زياد في القصر ، فبصر به ابنه القاسم بن حبيب ـ وهو يومئذ قد راهق ـ فأقبل مع الفارس لا يُفارقه ، كُلمّا دخل القصر دخل معه ، وإذا خرج خرج معه ، فارتاب به ، فقال : ما لك يا بُني تتبعني؟! قال : لا شيء. قال : بلى يا بُني أخبرني.
قال له : إنّ هذا الرأس الذي معك رأسُ أبي ، أفتُعطينيه حتّى أدفنه؟
قال : يا بُني ، لا يرضى الأمير أنْ يُدفن ، وأنا اُريد أنْ يُثيبني الأميرُ على قتله ثواباً حسناً.
قال له الغلام : لكنّ اللّه لا يُثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب. أما واللّه ، لقد قتلته خيراً منك. وبكى.
فمكث الغلام ، حتّى إذا أدرك لم تكنْ له همّةٌ إلاّ اتّباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرّة فيقتله بأبيه ، فلمّا كان زمان مصعب بن الزبير ، وغزا مصعب (باجمير) دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه ، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرّته ، فدخل عليه وهو