إنّ اللّه قد قضى لك علينا ، ولا نُخاصمك في زمزم ، إنّ الذي سقاك في هذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم ، فارجع راشداً.
وزاد عبد المطّلب في سقاية الحاجِّ بالماء أنْ طرح الزَّبيب فيه ، وكان يحلب الإبل ، فيضع اللبن مع العسل في حوض من أدم عند زمزم ، لسقاية الحاجّ (١).
ثُمّ قام أبو طالب مقامه بسقي الحاجّ (٢) ، وكان يجعل عند رأس كُلِّ جادّة حوضاً فيه الماء ليستقي منه الحاجّ ، وأكثر من حمل الماء أيّام الموسم ، ووفّره في المشاعر : فقيل له : (ساقي الحجيج).
أمّا أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقد حوى أكثر ممّا حواه والده الكريم من هذه المكرُمة ، وكم له من موارد للسقاية لا يستطيع أحد على مثلها ، وذلك يوم بدر وقد أجهد المسلمين العطشُ ، وأحجموا عن امتثال أمر الرسول صلىاللهعليهوآله في طلب الماء ؛ فرقاً من قريش ، لكن نهضت بأبي الريحانتين غيرتُه الشمّاء ، وثار به كرمُهُ المُتدفق ، فلبّى دعاءَ الرسول صلىاللهعليهوآله ، وانحدر نحو القليب ، وجاء بالماء حتّى أروى المسلمين (٣).
ولا يُنسى يوم صفِّين وقد شاهد من عدوه ما تندى منه جبهة كُلِّ غيور ؛ فإنّ معاوية لمّا نزل بجيشه على الفرات ، منع أهل العراق من الماء حتّى كضَّهم الظمأ ، فأنفذ إليه أمير المؤمنين (ع) صعصعة بن صوحان وشبث بن ربعي ، يسألانه أنْ لا يمنع الماء الذي أباحه اللّه
__________________
(١) السّيرة الحلبيّة ١ / ٥٥ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام ١ / ٩٤ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير ١ / ١٦٩ ، سُبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ١ / ١٨٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ / ٢٢٩.
(٢) السّيرة الحلبيّة ٣ / ٥٢.
(٣) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٢ / ٨٠.