ذلك لا تترك (لحامل اللواء) مساغاً عن أخذ الترات آناً ما.
لكنْ أهميّة موقفه عند أخيه السّبط عليهالسلام هو الذي أرجأ تأخيره عن الإقدام ؛ فإنّ سيّد الشُّهداء عليهالسلام يعدّ بقاءه من ذخائر الإمامة ، وأنّ موتته تفتّ في العضد ، فيقول له : «إذا مَضيْتَ تفرّقَ عَسْكرِي». حتّى إنّه في السّاعة الأخيرة لم يأذنْ له إلاّ بعد أخذٍ وردٍّ.
وإنّ حديث (الإيقاد) لسيّدنا المتتبّع الحجّة السيّد محمّد علي الشاه عبد العظيم قدسسره يوقفنا على مرتبة تُضاهي مرتبة المعصومين عليهمالسلام ؛ ذلك لمّا حضر السجّاد عليهالسلام لدفن الأجساد الطاهرة ، ترك مساغاً لبني أسد في نقل الجثث الزواكي إلى محلِّها الأخير ، عدى جسد الحسين وجثّة عمّه العبّاس عليهماالسلام ، فتولّى وحده إنزالهما إلى مقرّهما ، أو اصعادهما إلى حضيرة القدس ، وقال : «إنّ مَعِي مَنْ يُعينُنِي».
أمّا الإمام عليهالسلام فالأمر فيه واضح ; لأنّه لا يلي أمرَه إلاّ إمامٌ مثلُه ، ولكنْ الأمر الذي لا نكاد نصل إلى حقيقته وكنهه ، فعله بعمِّه الصدّيق الشهيد مثل ما فعل بأبيه الوصيِّ عليهماالسلام ، وليس ذلك إلاّ لأنّ ذلك الهيكل المُطهّر لا يمسّهُ إلاّ ذواتٌ طاهرة في ساعة هي أقرب حالاته إلى المولى سبحانه ، ولا يدنو منه مَنْ ليس مِن أهل ذلك المحلّ الأرفع.
ولم تزل هذه العظمة محفوظةً له عند أهل البيت عليهمالسلام دنياً وآخرة ، حتّى إنّ الصّدِّيقة الزَّهراء سلام اللّه عليها لا تبتدأ بالشكاية بأيِّ ظُلامةٍ من ظُلامات آل محمّد صلىاللهعليهوآله ـ وهي لا تُحصى ـ إلاّ بكفَّي أبي الفضل المقطوعتين ، كما في الأسرار ص ٣٢٥ ، وجواهر الإيقان ص ١٩٤ ، وقد ادَّخرتهما [ليكونا] مِن أهم أسباب الشّفاعة يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين.