الشُّهداء ذلك ، وليس في الرواية ما يدلّ على أنّ الصادق عليهالسلام ماذا يقول لو أراد السّلام عليهم.
وهنا ظاهرةٌ اُخرى دلّت على منزلة كُبرى للعبّاس عند سيّد الشُّهداء عليهالسلام ؛ ذلك أنّ الإمام الشهيد عليهالسلام لمّا اجتمع بعمر بن سعد ليلاً وسط العسكرين ؛ لإرشاده إلى سبيل الحقِّ ، وتعريفه طغيان ابن ميسون ، وتذكيره بقول الرسول صلىاللهعليهوآله في حقِّه ، أمر عليهالسلام مَن كان معه بالتنحّي إلاّ العبّاس وابنه علياً ، وهكذا صنع ابن سعد ، فبقي معه ابنه وغلامه.
وأنت تعلم أنّ ميزة أبي الفضل على الصحب الأكارم ، وسروات المجدِ من آل الرسول صلىاللهعليهوآله الذين شهد لهم الحسين عليهالسلام باليقين والصدق في النّيّة والوفاء (١) ، غير أنّه عليهالسلام أراد أنْ يوعز إلى الملأ من بعده ما لأبي الفضل وعلي الأكبر من الصفات التي لا تحدّها العقول.
ومن هذا الباب ، لمّا خطب يوم العاشر ، وعلا صراخ النّساء وعويل الأطفال حتّى كان بمسامع الحسين عليهالسلام ، وهو ماثل أمام العسكر ، أمر أخاه العبّاس أنْ يُسكتهنَّ ؛ حذار شماتة القوم إذا سمعوا ذلك العويل ، وغيرةً على نواميس حرم النّبوَّة أنْ يسمع أصواتهنّ الأجانب.
ولو رمتَ تحليلاً لتأخّر شهادة العبّاس عن جميع الشُّهداء ، وهو حامل تلك النّفس النّزّاعة إلى المفادات والتهلكة دون الدِّين ، فلا يمكنه حينئذ التأخّر آناً ما ، فكيف بطيلة تلك المدّة ، وبمرأى منه مصارعُ آل اللّه ونشيج الفواطم ، وإقبال الشرّ من جميع نواحيه ، واضطهاد حجّة الوقت بما يراه من المناظر الشبحية ؛ والواحدة من
__________________
(١) لعلّ جواب قول المُصنّف : وأنت تعلم ... واردٌ هنا ، وقد سقط من الطبعة السّابقة ، وتقديره : (معلومة) ، أي : أنّ منزلة أبي الفضل ... معلومةٌ.