فإنّك ترى الفكر يسفُّ عن مدى هذه الكلمة ، وأنّى له أنْ يُحلّق إلى ذروة الحقيقة من ذاتٍ مُطهّرة تفتدى بنفس الإمام عليهالسلام علّة الكائنات ، وهو الصادرُ الأوّل ، والمُمكنُ الأشرف ، والفيض الأقدس للمُمكنات : «بكُمْ فتَحَ اللّهُ وبكُمْ يَخْتمُ» (١).
نعم ، عرفها البصير النّاقد بعد أنْ جرّبها بمحكِّ النّزاهة ، فوجدها غير مشوبة بغير جنسها ، ثُمّ أطلق تلك الكلمة الذهبيّة الثمينة (ولا يعرف الفضلَ إلاّ أهلُهُ).
ولا يذهب بك الظنّ ـ أيّها القارئ الفطن ـ إلى عدم الأهمّيّة في هذه الكلمة بعد القول في زيارة الشُّهداء من زيارة وارث : «بأبي أنتُمْ واُمِّي! طُبتُمْ وطابتْ الأرضُ الّتِي فيهَا دُفنتُمْ».
فإنّ الإمام عليهالسلام في هذه الزيارة لم يكن هو المخاطِب لهم ، وإنّما هو عليهالسلام في مقام تعليم صفوان الجمّال عند زيارتهم أنْ يُخاطبهم بذلك الخطاب ؛ فإنّ الرواية جاءت ـ كما في مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي ـ أنّ صفوان قال : استأذنتُ الصادقَ عليهالسلام لزيارة الحسين عليهالسلام وسألتُهُ أنْ يُعرّفني ما أعمل عليه.
فقال عليهالسلام له : «يا صفوان ، صُمْ قبل خروجِكَ ثلاثةَ أيّام ...». إلى أنْ قال : «ثُمّ إذا أتيتَ الحائرَ ، فقُلْ : اللّهُ أكبرُ كبيراً». ثُمّ ساق الزيارة إلى أنْ قال : «ثُمّ اخرُجْ مِنْ البابِ الذي يلي رجْلَي عليِّ بنِ الحُسينِ ، وتوجّه إلى الشُّهداءِ ، وقُلْ : السّلامُ عليكُمْ يا أولياءَ اللّهِ ...» إلى آخره.
فالصادق عليهالسلام في مقام تعليم صفوان أنْ يقول في السّلام على
__________________
(١) الكافي ٤ / ٥٧٦ ، ح ٢ ، عيون أخبار الرض عليهالسلام ١ / ٣٠٨ ، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦ / ٥٥.