وهذه هي المنزلة الكبرى التي لا يحظى بها إلاّ ذَوو النّفوس القُدسيّة من الحُجج المعصومين عليهمالسلام ، ولا غرو إنْ غبط أبا الفضل الصّدِّيقون والشُّهداء الصالحون.
وإذا قرأنا قول الحسين للعبّاس عليهماالسلام ، لمّا زحف القوم على مخيّمه عشيّة التاسع من المُحرّم : «اركَبْ بنفسِي أنتَ يا أخي حتّى تَلقاهُمْ ... وتسألَهُمْ عمّا جاءَ بِهم». فاستقبلهم العبّاس في عشرين فارساً ، فيهم حبيب وزهير ، وسألهم عن ذلك ، فقالوا : إنّ الأمير يأمر إمّا النّزول على حكمه أو المُنازلة. فأخبر الحسينَ عليهالسلام ، فأرجعه ليُرجئهم إلى غد (١).
__________________
القبر ونزولهم معه في القبر ، وكذا شاهدَهم مع النّبي صلىاللهعليهوآله الحسنُ والحسينُ عليهماالسلام يُعينونهما على غسل أمير المؤمنين عليهالسلام وتكفينه ، وشاهدَهم الحسينُ عليهالسلام مع النّبي وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) يُعينونه على غسل الحسن عليهالسلام ، وشاهدهم الباقرُ عليهالسلام مع النّبيِّ وأمير المؤمنين ، والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) يُعينونه على غسل أبيه السجّاد عليهالسلام.
(١) تاريخ الطبري ، ونصّ العبارة ، قال : وأقبل العبّاسُ بن عليٍّ يركض حتّى انتهى إليهم ، فقال : يا هؤلاء القوم ، إنّ أبا عبد اللّه يسألُكم أنْ تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر ؛ فإنّ هذا أمرٌ لمْ يجرِ بينكم وبينه فيه منطقٌ ، فإذا أصبحنا التقينا إنْ شاء اللّه ؛ فإمّا رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه ، أو كرهنا فرددناه.
وإنّما أراد بذلك أنْ يردّهم عنه تلك العشيّة حتّى يأمر بأمره ويُوصي أهله ، فلمّا أتاهم العبّاس بنُ عليٍّ بذلك ، قال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر؟ قال : ما ترى أنت ؛ أنت الأمير والرَّأيُ رأيُك. قال : أردت ألاّ أكون. ثُمّ أقبل على النّاس ، فقال : ماذا ترَون؟ فقال عمرو بن الحجّاج بن سلمة الزبيدي : سبحان اللّه! واللّه ، لو كانوا من الدَّيلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أنْ تُجيبهم إليها ... وكان العبّاسُ بنُ عليٍّ حين أتى حُسيناً بما عرض عليه عمر بن سعد ، قال : «ارجعْ إليهِمْ ، فإنْ استطعتَ أنْ تُؤخِّرَهُمْ إلى غدْوَةٍ وتدفَعَهُمْ عنّا العشيّةَ ؛ لَعلَّنا نُصلِّي لربِّنا اللَّيلةَ ونَدعُوهُ ونَستغفِرُهُ ؛ فهو يعلمُ أنِّي كُنتُ اُحبُّ الصّلاةَ له وتلاوةَ كتابِهِ ، وكثرةَ الدُّعاءِ والاسْتغفارِ».