ولمّا نزل في بدر بأقرب ماء هناك ، قال له الحباب بن المنذر : أرأيت يا رسول اللّه هذا المنزل؟ منزلاً أنزلك اللّه به أمْ هو الرأي والمكيدة والحرب؟
فقال : «هو الرأي والحرب».
فأشار عليه بأنْ ينهض ويأتي أدنى منزل من القوم فينزل على الماء ، ثُمّ يعمل حوضاً يملأه ماءً يشرب منه المسلمون ، ولا يشرب منه أعداؤهم. فأخذ برأيه وارتحل حتّى أتى الماء ونزل عليه (١).
ولمّا قصده الأحزاب أراد أنْ يُصالح عيينة بن حصين ، والحارث بن عوف على ثلث أثمار المدينة ؛ ليرجعا بمَنْ معهما من غطفان ، فشاور في ذلك سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، وسعد بن فزارة ، فأشاروا عليه ألاّ يُعطيهم شيئاً ، فعمل بمشورتهم ، وكان الفتح له (٢). كُلّ ذلك إيذاناً وتنبيهاً بما هو اللازم من التريّث والأخذ بحقائق الاُمور.
وسار الأئمّة من آله على هذا النّهج ، فكان الإمام الرضا عليهالسلام يذكر أباه موسى بن جعفر عليهالسلام ويقول : «كان عقلُهُ لا يُوازَن به العقول ، وربما شاورَ بعضَ عبيدِهِ فيُشير عليه من الضَّيعةِ والبُستانِ فيعمل به ، فقيل له : أتشاورُ مثل هذا؟! فقال عليهالسلام : رُبما فُتح على لسانِهِ» (٣).
ولمّا كتب إليه عليُّ بنُ يقطين بما عزم عليه موسى الهادي من
__________________
٥٢ ، والوارد في آخر الرواية : «فقال له رسول اللّه صلىاللهعليهوآله خيراً ، ودعا له ...».
(١) اُسد الغابة ١ / ٣٦٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٤٤ ، تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٥٣ ، الثقات لابن حبّان ١ / ١٦٢ ، إمتاع الأسماع للمقريزي ٩ / ٢٤٣.
(٢) تاريخ الإسلام ٣ / ٣٤٨ ، إمتاع الأسماع للمقريزي ١ / ٢٣٩.
(٣) المحاسن للبرقي ٢ / ٦٠٢ بلفظ : «وربما شاور الأسودَ مِنْ سُودانِهِ».