الحقائقِ هُمْ أهلُ الحفاظِ ... واعلَمُوا أنّ أهلَ الحفاظِ هُمْ الذينَ يحتفونَ براياتِهمْ ويكتنفونَها ، ويَصيرونَ حفافيها وورائها وأمامها ، ولا يُضيِّعونها ، ولا يتأخَّرون عنها فيُسلمونَها ، ولا يتقدّمونَ عنها فيُفردونَها» (١).
ولقد كان حمَلَةُ الرايات يتهالكون دون حملها إلى آخر قطرة تسقط من دمائهم ؛ حذراً من وصمةِ الجُبنِ وشيةِ العارِ وسمةِ الخزي ، ولا يدعُ لهم ثَباتُ الجأش وحمى الذِّمار واصرّة الشرف أنْ يلقوها ما دامت أيديهم تقلّها.
لا عَيبَ فيهمْ غَيرَ قَبضِهمُ اللّوا |
|
عندَ اشتباكِ السُّمر قبضَ ضَنينِ |
من أجل ذلك كانت راية الإسلام مع أمير المؤمنين عليهالسلام في جميع مغازي الرسول صلىاللهعليهوآله ، ولم يفته مشهدٌ إلاّ تبوك حيث لم يقع فيها قتالٌ (٢) ، وإلاّ لما تركه النّبي صلىاللهعليهوآله في المدينة مع ما يعلمه من بلائه وإقدامه.
وفي يوم بدر أعطاه الرسول صلىاللهعليهوآله (راية الإسلام) ، فزحف بها والمسلمون خلفه ولمّا يبلغ الخامسة والعشرين من عمره ، فأظهر أمير المؤمنين عليهالسلام فيها من البسالة والنّجدة والبأس ما أطاش الألباب وحيّر العقول ، وجبّن الشجعان ووضع من قدرها ، فطار (أبو الحسن عليهالسلام بذكرها ، وحاز مجدها ، واستأثر بفضلها.
وإنّ عملَهُ في هذا اليوم الذي كسر اللّه به شوكة المشركين وفلّ خَدَّهم ، لَمِن خوارق العادة وأجلّ الكرامات ؛ إذ لمْ يُباشر قبله
__________________
(١) الكافي للكليني ٥ / ٣٩ ، ونحوه في نهج البلاغة ٢ / ٣ ، تاريخ الطبري ٤ / ١١.
(٢) السّيرة الحلبيّة ٣ / ١١٩ ، إمتاع الأسماع للمقريزي ٩ / ٢٦٤ ، وكذلك يظهر من تاريخ الطبري ٢ / ٣٧٣.