خُذ رمحي وانجُ بنفسك والظعينة. ثُمّ دفع إليه رمحه ورجع دريد إلى القوم ، وأعلمهم أنّ الرجل قتل الثلاثة وغلبه على رمحه ، وقد منع بالظعينة ، فلا طمع لكم فيه (١).
هذا الذي حفظته السّيرة مأثرة لربيعة بن مكدم بتهالكه دون الظعائن حتّى انكسر رمحه ، ولكنْ أين هو من (حامى الظعينة) يوم قاتل الاُلوف ، وزعزع الصفوف عن المشرعة حتّى ملك الماء وملأ القربة ، والكُلّ يرونه ويحذرونه؟!
وأنّى لربيعة من بواسل ذلك المشهد الرهيب فضلاً عن سيّدهم أبي الفضل عليهالسلام ، فلقد كان جامع رأيهم ، فلم يقدهم إلاّ إلى محلِّ الشرف ، مُنكباً بهم عن خطَّة الخسف والضّعة ، على حين أنّ الأبطال تتقاذف بهم سكرات الموت؟!
هذا وللسبط المُقدّس عليهالسلام طرف شاخص إلى صنوه البطل المُقدام كيف يرسب ويطفو بين بُهمِ الرجال ، ووجهُهُ مُتهلّلٌ لكرّاته ، ولحرائر بيت النّبوَّة أملٌ موطَّد لحاميةِ الظعائن.
وإليك مثالاً من بسالته الموصوفة في ذلك المشهد الدامي ، وهي لا تدعك إلاّ مُذعناً بما له من ثبات ممنع عند الهزاهز ، وطُمأنينة لدى الأهوال.
الأوّل : في اليوم السّابع من المُحرَّم حُوصر سيّد الشُّهداء عليهالسلام ومَن معه ، وسُدّ عنهم باب الورود ، ونفذ ما عندهم من الماء ، فعاد كُلٌّ منهم يعالج لهب الأوام (٢) ، وبطبع الحال كانوا بين أنّةٍ وحنّة
__________________
(١) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ١٦ / ٣١٢.
(٢) الأوام : العطش. راجع : لسانَ العرب ١٢ / ٣٨ ، القاموس المحيط ٤ / ٧٧ ، مجمع البحرين للطّريحي ١ / ١٣٥ ، تاج العروس ١٦ / ٣٨.