الإمامة) دارت عليه الدوائر ، وتقطّعت عنه خطوط المدد ، وتفانى صحبه وذووه.
هنالك هاج (صاحب اللّواء) ـ ولا يلحقه الليث عند الهياج ـ فمثل أمام أخيه الشهيد يستأذنه ، فلم يجد أبو عبد اللّه عليهالسلام بُدّاً من الإذنْ ، حيث وجد نفسه لَتسبق جسمه ؛ إذ ليس في وسعه البقاء على تلك الكوارث المُلمّة من دون أنْ يأخذ ثأره من اُولئك المَرَدة ، فعرّفه الحسين عليهالسلام أنّه مهما ينظر اللّواء مرفوعاً كأنّه يرى العسكر مُتّصلاً والمدد مُتتابعاً ، والأعداء تحذر صولته وترهب إقدامه ، وحرائر النّبوَّة مُطمئنة بوجوده ، فقال له : «أنتَ صاحبُ لوائِي ، ولكنْ اطلبْ لهؤلاءِ الأطفالِ قليلاً مِن الماءِ».
فذهب العبّاس عليهالسلام إلى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبّار ، فلم ينفع ، فرجع إلى أخيه وأخبره ، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش ، فنهضت بـ (ساقي العِطاشى) غيرته الشمّاء وأخذ القربة ، وركب فرسه وقصد الفرات ، فلم يرعه الجمع المُتكاثر ، وكشفَهم شبلُ عليٍّ عن الماء ومَلَك الشريعة ، ومذ أحسّ ببرده تذكّر عطش الحسين عليهالسلام ، فرأى من واجبه ترك الشرب لأنّ الإمام عليهالسلام ومَن معه أضرّ بهم العطش ، فرمى الماء من يده وأسرع بالقربة محافظاً على مهجة الإمام عليهالسلام ولو في آن يسير ، وقال (١) :
يا نفسُ مِنْ بعدِ الحُسينِ هُوني |
|
وبعدَهُ لا كُنتِ أنْ تكوني |
هذا الحُسينُ واردُ المنونِ |
|
وتشْرَبينَ باردَ المعينِ |
تاللّهِ ما هذا فعالُ دينِي
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٥ / ٤٢ ، مقتل الحسين لأبي مخنف / ١٧٩ ، ينابيع المودّة لذوي القربى للقندوزي ٣ / ٦٧.