فتكاثروا عليه وقطعوا طريقه ، فلم يُبالِ بهم ، وجعل يضرب فيهم بسيفه ، ويقول :
لا أرْهبُ المَوتَ إذا الموتُ زقا |
|
حتّى اُوارَى في المصاليتِ لَقَى |
إنِّي أنَا العبّاسُ أغْدو بالسّقا |
|
ولا أهابُ المَوتَ يومَ المُلتَقَى |
فكمنَ له زيد بن الرقّاد الجهني ، وعاونه حكيم بن الطفيل السّنبسي ، فضربه على يمينه فقطعها ، فأخذ السّيف بشماله وجعل يضرب فيهم ، ويقول :
واللّهِ إنْ قَطعتُمُ يَمينِي |
|
إنّي اُحامِي أبداً عَنْ دِينِي |
وعَنْ إمامٍ صادقِ اليَقينِ |
|
نجلِ النَّبيِّ الطَّاهرِ الأمينِ |
فكمنَ له حكيم بن الطفيل من وراء نخلة ، فضربه على شماله فبراها ، فضمّ اللّواء إلى صدره.
فعند ذلك أمنوا سطوته وتكاثروا عليه ، وأتته السّهام كالمطر ؛ فأصاب القربة سهمٌ واُريق ماؤها ، وسهمٌ أصاب صدره ، وسهمٌ أصاب عينه ، وحمل عليه رجلٌ بعمودٍ من حديد وضربه على رأسه المُقدّس.
وَهوَى بِجَنبِ العَلقميِّ فَلَيتَهُ |
|
لِلشَّاربينَ بِهِ يُدافُ العَلْقمُ |
ونادى بصوت عالٍ : عليك منّي السّلام يا أبا عبد اللّه (١). فأتاه الحسين عليهالسلام ، ويا ليتني علمتُ بماذا أتاه ، أبحياة مُستطارة منه بذلك الفادح الجلل ، أو بجاذب من الاُخوّة إلى مصرع صنوه المحبوب!
نعم ، حصل الحسين عليهالسلام عنده وهو يُبصر هيكل البسالة وقربان القداسة فوق الصعيد ، وقد غشيته الدِّماء السّائلة وجلّلته النّبال ، ورأى ذلك الغصن الباسق قد ألمّ به الذبول ، فلا يمينٌ تبطش ولا
__________________
(١) ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي ٣ / ٦٨.