النَّبيِّين»(١).
نعم ، ممّا لا شكّ فيه أنّه عليهالسلام ترك أخاه العبّاس في محلّ سقوطه قريباً من المسنّاة ، لا لما يمضي في بعض الكتب من كثرة الجروح وتقطّع الأوصال ، فلم يقدر على حمله ؛ لأنّ في وسع الإمام عليهالسلام أنْ يُحرّك ذلك الشلو المُبضَّع إلى حيث أراد ومتى شاء.
وإلاّ لِما قيل : من أنّ العبّاس أقسم عليه بجدّه الرسول صلىاللهعليهوآله أن يتركه في مكانه ; لأنّه وعد سكينة بالماء ويستحي منها (٢) لعدم الشاهد الواضح على كُلِّ منهما.
بل إنّما تركه لسرّ دقيقٍ ، ونكتة لا تخفى على المتأمّل ومَن له ذوق سليم ، ولولاه لم يعجز الإمام عليهالسلام عن حمله مهما يكن الحال ، وقد كشفت الأيّام عن ذلك السّرّ المصون ، وهو : أنْ يكون له مشهد يُقصد بالحوائج والزيارات ، وبقعة يزدلف إليها النّاس وتتزلّف إلى المولى سبحانه تحت قبته التي تحك السّماء رفعةً وسناءً ؛ فتظهر هنالك الكرامات الباهرة ، وتعرف الاُمّة مكانته السّامية ومنزلته عند اللّه ؛ فتُقدّره حقّ قدره ، وتؤدّي ما وجب عليهم من الحبّ المتأكّد والزورة المتواصلة ، ويكون عليهالسلام حلقة الوصل بينهم وبين اللّه تعالى ، وسبب الزلفى لديه.
فشاء المهيمن تعالى شأنه ، وشاء وليُّه وحُجّته أنْ تكون منزلة
__________________
(١) الغيبة للنعماني / ٢١٩ ، والنّص : «كان الحسينُ بنُ عليٍّ يضعُ قتلاه بعضَهُمْ إلى بعضٍ ، ويقول : قتلانا قتلَى النَّبيِّين».
(٢) الدمعة السّاكبة ٤ / ٣٢٤ ، قال : أقول : وفي بعض الكتب المعتبرة : إنّ من كثرة الجراحات الواردة على العبّاس عليهالسلام لم يقدر الحسين عليهالسلام أنْ يحملهُ إلى محل الشُّهداء ، فترك جسده في محلّ قتله ورجع باكياً حزيناً إلى الخيام.